بين التوجيه الملكي والعرض التجاري: تساؤلات حول رمزية الأضحية في متاجر كبرى

أثارت مبادرة بعض المساحات التجارية الكبرى في المغرب، التي أطلقت حملات تسويقية لعيد الأضحى تقترح على الزبناء شراء “ذبيحة العيد جاهزة ومغلفة” مع خدمات الذبح والتغليف والتوصيل تحت شعارات مثل “فرحة العيد دون عناء”، جدلاً واسعًا في الأوساط المجتمعية.
يأتي هذا العرض بالتزامن مع دعوة غير مسبوقة أطلقها الملك محمد السادس للمواطنات والمواطنين لتجاوز ذبح الأضحية هذا العام، مراعاة للظروف المناخية والاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد، خاصة في ظل تفاقم آثار الجفاف وارتفاع أسعار المواشي الذي يزيد من تكلفة الأضحية على شرائح واسعة من المجتمع.
تضارب بين التوجيه الملكي والعروض التجارية
ورغم أن هذه المبادرات تبدو قانونية من الناحية الشكلية، كونها تجري في فضاءات تجارية منظمة وتحت إشراف صحي، إلا أن مضمونها أثار تساؤلات وانتقادات عديدة من قبل متتبعين ومواطنين. واعتبر هؤلاء أن هذه العروض تفرغ التوجيه الملكي من بعده الاجتماعي والتضامني، وتحول الشعيرة الدينية إلى مجرد منتج تجاري يفقد رمزيته العميقة.
ويرى مراقبون أن تسويق الذبيحة الجاهزة يمثل تحايلاً ضمنيًا على روح الدعوة الملكية، التي جاءت لتشجع على تجاوز الشعيرة بشكل استثنائي وليس تسهيلها أو تيسيرها تجاريًا. كما أن هذا التوجه قد يعمق التفاوت الاجتماعي، حيث يمكن للأسر الميسورة اقتناء الذبيحة الجاهزة بسهولة، بينما تلتزم الأسر ذات الدخل المحدود بالتوصية الملكية بدافع الضرورة.
غموض رسمي وتفاوت محتمل في التطبيق
في سياق متصل، كانت وزارة الداخلية قد أصدرت تعليمات واضحة للولاة والعمال بمنع الأسواق الموسمية الخاصة ببيع الأضاحي هذا العام، وذلك في إطار الإجراءات المصاحبة للدعوة الملكية. إلا أن غياب أي بلاغ رسمي بخصوص هذه المبادرات التجارية الكبرى يثير تساؤلات حول المعايير المعتمدة في تطبيق التوجيهات السيادية ومدى اتساقها عبر مختلف القنوات التنظيمية والتجارية.
هذا التفاوت المحتمل في تطبيق التوصيات يسلط الضوء على الحاجة إلى رؤية موحدة ومقاربة شاملة، تتجاوز الجانب القانوني إلى جوهر الرسالة الأخلاقية والدينية التي هدفت إلى التخفيف عن الأسر المغربية، وليس فتح منافذ بديلة تعيد إنتاج الضغط الاجتماعي نفسه ولكن بصيغة “مغلّفة”.
دعوة ملكية غير مسبوقة وسياق استثنائي
تُعد دعوة الملك محمد السادس لتجاوز شعيرة الأضحية خلال هذا العام خطوة غير مسبوقة في تاريخ المغرب المعاصر، وقد لاقت استحسانًا واسعًا لدى قطاعات من المجتمع، نظرًا للسياق المرتبط بسنوات متتالية من الجفاف وتضرر سلاسل الإنتاج الفلاحي، بالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية العالمية وتداعياتها على القدرة الشرائية للأسر.
وقد اعتُبرت هذه المبادرة تعبيرًا عن حس اجتماعي رفيع يهدف إلى تعزيز قيم التضامن وتخفيف الأعباء، خاصة على الطبقات الفقيرة والمتوسطة، مما يعكس حرص المؤسسة الملكية على حماية السلم الاجتماعي ومراعاة التوازنات الوطنية.
فهل تستطيع المتاجر الكبرى، بعروضها التجارية، أن تنتزع الرمزية العميقة لشعيرة عيد الأضحى من قلوب المغاربة، أم أن التوجيه الملكي سيظل هو البوصلة في هذا السياق الاستثنائي؟