Hot eventsأخبارأخبار سريعةثقافة و فن

نشيد السفينة الأخيرة

حرَموا الأيدي من رعشة المصافحة،
وسرقوا من الخيال حريّة التصوّر،
قيّدوا الذهن عن التمييز،
وعتموا على الذاكرة،
وأصدروا حكماً:
لا حكاية تُروى قبل أفول الفصول…

تراجع الأمل،
حين تنازلت الفراشة قسراً عن ألوانها،
وغادرت العصفورة عشّها،
وصمتت البلابل عن ألحانها،
وتذاءبت الجرذان،
واستتبّ لها أمر السفينة.

ذُلّت الأسود،
وأُسرت الدببة،
وأقامت القِرَدة تحت سقيفةٍ تحكم…

أما البركة الزرقاء،
والنهر الجيّاش،
فقد ابتلعتهما الأرض يوم انشقت،
وانمحت الغابة بين ألسنة الحمم،
وانكسرت الجسور
تحت رجفة ارتدادية أخيرة،
والمدرسة…
سُلّمت لقائدٍ آليّ من جيلٍ منسيّ.

لا تزال القصور قائمة،
والأسواق مكتظة بالعابرين،
قبل أن يُغلق المسرح،
وتُسحب رخصة قاعة الفنون،
وتُفرغ الساحة من المتحدثين.

سيطر أصحاب البدلات الزرقاء،
العصي، البنادق،
المسدسات،
المصفّحات،
السماء أصبحت ساحة قاذفات،
والأفق دخانٌ مسيّل للدموع.

اختلفت أرقام الإحصاء،
والسقوط لم يتوقّف.

اختلت المفاهيم،
واقتُلعت من جذورها،
وغُرست في غير تربتها.

اخترق الرمحُ بدن السفينة،
تعذّر رسوّها،
وغرق الربّان والبحّارة
في عجزٍ عن الفهم،
والبحر صار لغزاً لا يُفكّ،
أصابه العيُّ في خضمّ هوله.

استمعوا له،
لكن الزوبعة أخرست الصوت.
تصدّوا للحيرة فرادى وجماعة،
وقالوا:
موتةٌ في العزّ
خيرٌ من حياةٍ ترضى بحكم الأمواج الجائر.

رفضوا أن تبتلعهم المجهولات
باسم معتقداتٍ بالية،
وقيمٍ لا طائل منها،
وأخلاقٍ واهنة.

وحين جمعوا شتات عقولهم،
أجسادهم، خيالهم،
وقبلوا المقاومة إلى النهاية أيّا كانت
تحوّل البحر إلى قفرٍ
تقتلع الرياح صخوره،
وترجمهم بها،
ورماله تعمي بها عيونهم.

رأوا السفينة
ترتجف على رصيف الهاوية،
كريشة حمامة
في مهبّ إعصار،
وزبانيته يدفعونها.

رفعوا الأشرعة،
وقصفها التيّار بما تبقّى،
تشبّثوا بما بقي
وتلاعب بهم الموج،
إلى أن وضعت المحن أوزارها،
وكانوا الناجين الذين
لم تُسجَّل أسماؤهم في أيّ إحصاء.

حينها فقط،
تذكّروا،
ومَيّزوا،
وحكى كلّ منهم حكايته
لمن أراد أن يسمع،
ورُفع المنع عن رعشة المصافحة…

عبداللطيف زكي،
الرباط، في 28 ماي 2025

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button