أخبارالرئيسيةتقارير وملفاتقضاء وقانون

هل يفرمل القضاء نفوذ “إمبراطورية”ادريس الراضي بإدانته ب4 سنوات سجناً نافذاً؟

تقرير: فريق التحرير

أصدرت المحكمة الابتدائية بسيدي سليمان أول أمس الثلاثاء 27 مايو 2025حكمها، بإدانة إدريس الراضي بأربع سنوات سجنًا نافذًا. كما أدين شقيقه، كريم الراضي، بثلاث سنوات سجنًا نافذًا بتهم تشمل صنع إقرارات كاذبة واستخدام وثائق إدارية مزورة حول الأراضي المعنية بالقضية والتي تقع في منطقة الفكارنة بنواحي القنيطرة.

وأصدرت المحكمة أيضًا أحكامًا بحق متهمين آخرين، حيث تلقى نائبان سلاليان حكمًا بالسجن لمدة سنتين لكل منهما، وحُكم على موظفين اثنين من قسم الشؤون القروية بعمالة سيدي سليمان بسنة ونصف سجنًا نافذًا لكل منهما. وقد كانت.  

على الرغم من الإدانة الأولية، سارعت هيئة الدفاع إلى تقديم استئناف، مما يشير إلى أن المعركة القانونية لم تُختتم بعد وقد تُسفر عن معطيات جديدة في المراحل القضائية اللاحقة.  

“إمبراطورية الغرب” تأكيد نفوذ سلطة المال والسياسة

إدريس الراضي هو شخصية سياسية مغربية بارزة، غالبًا ما يُشار إليه بلقب “إمبراطور الغرب” ، وهو لقب يؤكد نفوذه الكبير والممتد في المنطقة لعقود. لقد امتدت مسيرته المهنية لعقود، وتميزت بأدواره السياسية والعامة المتنوعة. يهدف هذا التقرير إلى تقديم سرد شامل ومفصل لمسيرته السياسية والحزبية والبرلمانية، متتبعًا صعوده عبر المراتب، ومناصبه الرئيسية، والخلافات الكبيرة التي طبعت حياته العامة مؤخرًا.  

إن وصفه بـ “إمبراطور الغرب” يتجاوز مجرد لقب؛ فهو يشير إلى شكل عميق ومتجذر من النفوذ والسلطة، غالبًا ما يميز شبكات المحسوبية التقليدية في السياسات المحلية. هذا النوع من النفوذ، الذي كان مصدر قوة سياسية لعقود، أصبح في نهاية المطاف نقطة محورية للتدقيق والنقد عندما ارتبط بمزاعم الفساد واستغلال السلطة.

هذا التطور يوضح التوتر الكامن بين هياكل السلطة غير الرسمية والمساءلة القانونية الرسمية، حيث يمكن أن تتحول القوة المتجذرة إلى نقطة ضعف في مواجهة حملات مكافحة الفساد.  

 تداعيات انقلاب الراضي على الأمين العام الأسبق للحزب

على الرغم من أن التواريخ المحددة لانخراط إدريس الراضي الأول في العمل السياسي غير مذكورة بشكل صريح، إلا أن المواد البحثية تشير إلى مسيرة سياسية امتدت “لعقود”. يُشار إليه باستمرار على أنه “شخصية سياسية قيادية سابقة” و”برلماني سابق”، مما يدل على حضوره الراسخ في المشهد السياسي.  

كان إدريس الراضي عضوًا بارزًا ولفترة طويلة في حزب الاتحاد الدستوري. شغل منصبًا مهمًا داخل الحزب كعضو في مكتبه السياسي.  

قاد الراضي”انقلابًا” ضد الأمين العام الأسبق للحزب، محمد ساجد، والذي كان يعد الراضي ضمن “صقور” الحزب في 18 يناير 2021. حيث اضطر ساجد إلى السفر إلى القنيطرة لعقد اجتماع مع ادريس الراضي في منزله بمعية قيادات الحزب وبرلمانييه، حيث اتفقوا على عقد دورة للمجلس الوطني لانتخاب لجنة تحضيرية للمؤتمر الوطني، بهدف الإطاحة بساجد من قيادة الحزب. وقد تحدى الراضي علنًا شرعية ساجد كأمين عام.  

في 13 أكتوبر 2021، صوت المكتب السياسي للاتحاد الدستوري بالإجماع على قرار الطرد النهائي لإدريس الراضي من الحزب وجميع هيئاته. كانت الأسباب الرسمية المعلنة لطرده هي “التجاوزات والسلوكيات الخطيرة التي أضرت بالحزب ومناضليه”. جاء هذا القرار بعد تقرير قدمته اللجنة الوطنية للتحكيم والتأديب بشأن سلوكه. ومن المثير للاهتمام أن الراضي رد بالقول إنه اعتزل العمل السياسي قبل أشهر، واعتبر نفسه “غير معني” بقرار المكتب السياسي “الباطل”.  

إن تسلسل الأحداث، الذي يتضمن محاولة الراضي قيادة “انقلاب” ضد زعيم الحزب ، يليه طرده السريع ، يكشف عن صراع داخلي حاسم على السلطة داخل الاتحاد الدستوري. هذا يشير إلى أن مشاكله القانونية ربما وفرت فرصة مواتية للقيادة الحالية للحزب لتعزيز سلطتها وإزالة شخصية مثيرة للجدل، مستغلة خلافاته العامة لتبرير إقالته وحماية صورة الحزب.

يمكن تفسير ادعائه بالتقاعد المسبق كمحاولة لحفظ ماء الوجه أو للابتعاد استباقيًا عن الإجراءات التأديبية الرسمية للحزب، مما يبرز الاعتبارات الاستراتيجية داخل الأحزاب السياسية عند التعامل مع الشخصيات المثيرة للجدل.

المسار البرلماني وعبارته الشهيرة “كرشي خاوية”

شغل إدريس الراضي منصب برلماني لعدة ولايات تشريعية. وتولى على وجه التحديد رئاسة الفريق البرلماني للاتحاد الدستوري بمجلس المستشارين. كما سعى بنشاط للحصول على عضوية مكتب مجلس المستشارين. وفي مايو 2019، تم انتخابه أمينًا عامًا جديدًا لمجلس المستشارين، وهو دور إداري وسياسي مهم داخل الغرفة الثانية للبرلمان المغربي.  

اكتسب إدريس الراضي اهتمامًا عامًا كبيرًا وسمعة واسعة بسبب حادثة داخل البرلمان صرخ فيها عبارته الشهيرة “كرشي خاوية” (بطني فارغة). وقد اعتُبر هذا التصرف على نطاق واسع من قبل الرأي العام المغربي شكلاً من أشكال الاحتجاج أو تعبيرًا شعبيًا عن المعاناة. وبينما كان يُنظر إلى هذا الموقف في البداية على أنه عمل رمزي، إلا أنه أصبح لاحقًا متشابكًا مع خلافاته القانونية والسياسية اللاحقة.  

بالإضافة إلى مهامه البرلمانية، شغل إدريس الراضي مناصب عامة أخرى ذات نفوذ، أبرزها، توليه رئاسة الغرفة الفلاحية لجهة الرباط-سلا-القنيطرة. ويُعد هذا المنصب ذا أهمية خاصة بالنظر إلى طبيعة مزاعم الاحتيال على الأراضي التي ظهرت لاحقًا.  

تُظهر حادثة “كرشي خاوية”، التي صُورت في البداية كاحتجاج شعبوي، تناقضًا صارخًا مع تورطه اللاحق في قضايا تزوير الأراضي، لا سيما تلك المتعلقة بالأراضي السلالية الجماعية.

إن أدواره القيادية في كل من مجلس المستشارين (كرئيس للفريق البرلماني وأمين عام)  ورئاسة الغرفة الفلاحية، وفرت له نفوذًا مؤسسيًا كبيرًا على السياسات والإدارة المتعلقة بالأراضي.

هذا التقاطع بين السلطة السياسية والقطاعية قد يكون قد خلق بيئة مواتية للاحتيال المزعوم على الأراضي. ما يسلط الضوء على نقطة ضعف نظامية حيث يمكن استغلال مواقع الثقة العامة لتحقيق مكاسب خاصة، خاصة في قطاعات مثل الزراعة وإدارة الأراضي الجماعية، التي غالبًا ما تتميز بعمليات إدارية معقدة وغير شفافة.

جدل تزوير الأراضي السلالية بمنطقة الغرب

تُعد الأراضي السلالية ملكيات جماعية تعود لآلاف الأسر في المغرب. وقد تم تحديد نظام إدارتها التقليدي على أنه عرضة للتلاعب، وغالبًا ما يتضمن تواطؤًا بين نواب الجماعات السلالية ومسؤولين محليين لتسهيل عمليات نقل الملكية الاحتيالية بأسعار رمزية أو من خلال وثائق مزورة. ويؤكد الخبراء أنه بدون رقمنة هذه الملكيات وتعزيز الرقابة القضائية والإدارية، ستستمر هذه المشاكل.  

اتُهم إدريس الراضي بارتكاب جرائم خطيرة تتعلق بالاستيلاء الاحتيالي على الأراضي السلالية. شملت التهم، تزوير مستندات رسمية وتسجيل ملكيات مزورة لهذه الأراضي الجماعية بأسماء أفراد من خارج الجماعة المالكة.

ويُزعم أن العملية استندت إلى مسارات معقدة تم فيها استغلال ثغرات قانونية وتقصير إداري بهدف إضفاء الشرعية على عمليات التحفيظ المشبوهة. وقد تضمنت شكوى محددة من وزارة الداخلية اتهام الراضي بمحاولة التحايل لاستغلال الأشجار الغابوية الواقعة في أراضي الجماعة السلالية “أولاد حنون” بادعاء أنه من ذوي الحقوق، على الرغم من انتمائه في الأصل إلى جماعة سلالية أخرى تسمى “للا يطو”.  

بداية المحاكمة…وصرخة “أنا مظلوم”

بدأت المحاكمة في 11 يوليو 2023. ومن الجدير بالذكر أن إدريس الراضي لم يحضر أيًا من جلسات المحاكمة، حيث كان يقدم باستمرار شهادات طبية لتبرير غيابه. وقد تمسك ببراءته، مصرحًا: “أنا مظلوم”.  

في 27 مايو 2025، أصدرت المحكمة الابتدائية بسيدي سليمان حكمها، حيث أدين إدريس الراضي بأربع سنوات سجنًا نافذًا. كما أدين شقيقه، كريم الراضي، بثلاث سنوات سجنًا نافذًا بتهم تشمل صنع إقرارات كاذبة واستخدام وثائق إدارية مزورة.

وأصدرت المحكمة أيضًا أحكامًا بحق متهمين آخرين: حيث تلقى نائبان سلاليان حكمًا بالسجن لمدة سنتين لكل منهما، وحُكم على موظفين اثنين من قسم الشؤون القروية بعمالة سيدي سليمان بسنة ونصف سجنًا نافذًا لكل منهما. وقد كانت الأراضي المعنية بالقضية تقع في منطقة الفكارنة بنواحي القنيطرة.  

على الرغم من الإدانة الأولية، سارعت هيئة الدفاع إلى تقديم استئناف، مما يشير إلى أن المعركة القانونية لم تُختتم بعد وقد تُسفر عن معطيات جديدة في المراحل القضائية اللاحقة.  

فساد وتواطؤ منهجي للسطو على الأراضي السلالية

إن تورط عدة أطراف في قضية تزوير الأراضي، بمن فيهم إدريس الراضي، وشقيقه، ونواب سلاليون، ومسؤولون إداريون محليون، يشير بقوة إلى مشكلة فساد وتواطؤ منهجية وليست مجرد حوادث معزولة. هذا يوضح وجود شبكة راسخة تستغل نقاط الضعف الكامنة في نظام إدارة أراضي السلالية، مما يشير إلى مشكلة أعمق تتعلق بالحوكمة، والسيطرة التنظيمية، واستمرار الممارسات غير المشروعة من خلال جهود منسقة من قبل شخصيات مؤثرة وموظفين عموميين.  

سلاليون يحتجون على السطو على أراضيهم من طرف نافذين

إن غياب إدريس الراضي المستمر عن جلسات المحاكمة، المبرر بشهادات طبية، على الرغم من تقديم وزارة الداخلية للشكوى ، يثير تساؤلات جدية حول فعالية آليات الإنفاذ القضائي ضد الأفراد ذوي النفوذ.

يمكن تفسير هذا السلوك كتكتيك لتأخير الإجراءات، أو تجنب التدقيق العام المباشر، أو تحدي سلطة المحكمة بشكل ضمني. هذا يسلط الضوء على الصراع المستمر لضمان المساواة الحقيقية أمام القانون للنخب، وإمكانية استمرار النفوذ في العمل خارج نطاق العمليات القانونية الرسمية.

نهاية “إمبراطورية الراضي” في منطقة الغرب؟

يُفسر الحكم القضائي ضد إدريس الراضي على نطاق واسع على أنه نهاية حاسمة لنفوذه الطويل الأمد وما كان يُعرف شعبيًا بـ “إمبراطورية الراضي” في منطقة الغرب. هذا يشير إلى تحول عميق في ديناميكيات السلطة المحلية وضربة قوية لسلطته الراسخة.  

وقد قوبل هذا الحكم بالترحيب كرسالة واضحة لا لبس فيها، بأن القضاء المغربي أصبح أكثر استعدادًا لمتابعة القضايا ضد الشخصيات القوية والمؤثرة، لا سيما تلك التي تنطوي على استغلال النفوذ والتلاعب بملكية الأراضي الجماعية.

هذا يشير إلى دفع حكومي أوسع نحو قدر أكبر من الشفافية والمساءلة في إدارة الأصول العقارية الاستراتيجية في جميع أنحاء المملكة.  

وفي السياق ذاته، يرى الخبير القانوني عبد الحميد المودني، أن هذه القضية تندرج ضمن “الجرائم العقارية المعقدة التي يستغل فيها بعض الأعيان النفوذ المحلي للتلاعب بالملكية الجماعية”.

 ومع ذلك، أعرب المودني أيضًا عن منظور حذر، مشيرًا إلى أن هذا الحكم بحد ذاته لا يضمن بالضرورة “عدالة شاملة” للجميع، حيث قد تظل هناك ملفات مماثلة، بل أكثر حساسية، لم تُفتح أو ظلت معلقة.

هذا يثير تساؤلات ذات صلة حول استقلال القضاء ومدى التوازن في التعامل مع قضايا المال والنفوذ. من جانبها، تؤكد الحقوقية نرجس بلمودن، المهتمة بملف الأراضي السلالية، أن هذه الأراضي تمثل ثروة جماعية حيوية لآلاف الأسر، ولكنها غالبًا ما تُدار بعقلية تقليدية تسمح بالتواطؤ بين نواب الجماعات السلالية ومسؤولين محليين لتفويت مساحات شاسعة بأسعار رمزية أو بوثائق مزورة.  

بالإضافة إلى قضية الاحتيال على الأراضي، تشكلت الصورة العامة لإدريس الراضي أيضًا من خلال حادثة “كرشي خاوية”، والتي، على الرغم من جاذبيتها الشعبوية الأولية، أصبحت جزءًا من السرد الأوسع المحيط بمسيرته المثيرة للجدل.

علاوة على ذلك، تشير بعض المصادر إلى نزاعات عائلية داخلية، بما في ذلك قضية قانونية بين إدريس الراضي وشقيقه سعيد الراضي حول محاولة اغتيال مزعومة، مما يشير إلى حياة شخصية معقدة ظهرت أيضًا في المجال العام.  

إن “سقوط إمبراطورية الراضي” يشير إلى انتصار رمزي كبير لجهود مكافحة الفساد في المغرب. وهو ما يوحي بأن القضية تتجاوز مجرد ملاحقة فرد؛ إنما تتعلق بتفكيك نظام طويل الأمد من النفوذ المتجذر والمكاسب غير المشروعة. يمكن أن يكون هذا بمثابة رادع قوي لشخصيات قوية أخرى، مما يشير إلى حقبة جديدة من الحوكمة حيث لا يكون حتى “الأعيان” المتجذرين محصنين من المساءلة القانونية، وبالتالي يعزز ثقة المغاربة في مؤسسات الدولة وبالأساس في سلطة القضاء المغربي.  

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button