حين يعيق منطق الربح الخاص مسار التنمية: صرخة من داخل الحكومة تدعو إلى تغليب قيم “تامغربيت”

غالبًا ما يواجه المغرب، رغم إرادته السياسية الواضحة ومشاريع التنمية الطموحة، تحديًا مستمرًا يتمثل في مقاومة “جيوب” من المصالح الخاصة التي تعرقل التوزيع العادل للثروة وتعيق تفعيل سياسات عمومية تخدم المواطنين. هذا ما كشف عنه وزير الثقافة والشباب والتواصل، محمد المهدي بنسعيد، بوضوح خلال اجتماع المجلس الوطني لحزب الأصالة والمعاصرة، واصفًا إياه بأحد أبرز المفارقات في الواقع المغربي.
لم يكن حديث بنسعيد مجرد تصريح عابر، بل كان بمثابة صرخة سياسية تسلط الضوء على حجم الممانعة التي تواجه أي إصلاح حقيقي. فالتنمية، كما أكد الوزير، ليست مجرد مشاريع بنية تحتية، بل هي منظومة متكاملة تتطلب تحرير القرار السياسي من تأثير المصالح الضيقة وإعلاء قيم التضامن والتكافل والمصلحة العامة.
وفي هذا السياق، استعاد الوزير مفهوم “تامغربيت” ليس كشعار ثقافي فحسب، بل كمشروع مجتمعي شامل. ففي أوقات الأزمات، كما تجلى خلال جائحة كوفيد-19 وزلزال الحوز، أظهر المغاربة قيمًا أصيلة من الإنسانية والتضامن بعفوية، دون انتظار مقابل. هذه القيم، بحسب بنسعيد، يجب أن تكون الإطار الموجه للعمل السياسي والسياسات العمومية في المرحلة المقبلة. فبدون هذه القيم، تتحول التنمية إلى مجرد أرقام لا روح فيها، وتتآكل الثقة وينتشر الجشع.
لكن معركة القيم، كما يبدو، لا تقل شراسة عن المعركة الاقتصادية. فالتعليم والثقافة والإعلام، وكل ما يشكل الوعي الجماعي، سيكون في صلب الصراع القادم نحو بناء مغرب جديد لا تحركه الأرقام وحدها، بل تستلهمه مبادئ العدالة والكرامة والمساواة.
إن لغة الوزير المباشرة والصريحة، وإن بدت مكشوفة، فإنها تحرك المياه الراكدة. فليس من المعتاد أن يتحدث مسؤول حكومي عن “لوبيات المصالح” بهذه النبرة، وهي رسالة واضحة تستدعي قراءة متأنية: لا يمكن تحقيق التنمية دون كسر احتكار النفوذ، ولا يمكن إنجاز إصلاح حقيقي دون شجاعة سياسية ومجتمعية تضع الإنسان في صميم المشروع التنموي.
تبقى تصريحات الوزير بنسعيد أكثر من مجرد موقف حزبي؛ إنها دعوة مفتوحة لإعادة ترتيب الأولويات التنموية على أساس الإنصاف وطي صفحة الامتيازات المغلقة. فمستقبل “تامغربيت” لا يعتمد فقط على النوايا الحسنة، بل على القدرة الجماعية على الانتصار لقيم العدالة والكرامة. والإصلاح الحقيقي، كما يُفهم من كلام الوزير، لن يتحقق إلا بكسر قيود المصالح الخاصة ووضع الإنسان في قلب كل سياسة عمومية.



