أخبارأخبار سريعةعين العقل

آكلو النبق… حين يصبح النهيق نشيدًا جماعيا

بقلم الاستاذ:
مولاي الحسن بنسيدي علي

في ركنٍ من زوايا العبث، اجتمع قومٌ لم يجمعهم يومًا فكرٌ ولا مصير، بل التقوا على شجرة نبقٍ بريٍ، أكلوا منها بشراهة، وكأنهم اكتشفوا لذة الحياة للمرة الأولى.
لكن النبق، كعادة كل ما يُستهلك دون وعي، كان له ثمن. لم يكن ثمنًا باهظًا فحسب، بل كان فادحًا؛ إذ أصيب القوم بإسهالٍ لا مثيل له، ليس في الأجساد فقط، بل في الأفكار، والأذواق، والكلمات.

وحين داهمهم الوجع، لم يصرخوا كما يفعل الناس، بل نهقوا. أجل، نهقوا بصوتٍ نشاز، ثم صفق بعضهم لبعض، وأُعجبوا بأصداء أنكرها حتى الحمار.
قال أحدهم: “هذا صوت الهوية!”
وقال آخر: “بل هو فن ما بعد الحداثة!”
أما ثالثهم، فراح يُدرّس النهيق كفن تعبيري في أكاديميةٍ أنشأها قرب الحضيرة.

كانوا قبل النبق شتاتًا، لا يجمعهم شيء، لا مبدأ، لا قضية، ولا حتى خصومة محترمة.
لكن النبق وحّدهم كما لا تفعل القضايا الكبرى. اجتمعوا في حضائر مرفوعة على أعمدة الوهم، وأسسوا خلايا تعتمد الرفس أسلوب حوار، والنهيق خطاب زريبة.

وفي المقابل، كان هناك من رحل.
لأنھم الفرسان الحقيقيون، أولئك الذين لم يأكلوا النبق، ولم تغرّهم الحضائر.
ركبوا جيادهم، وامتطوا صمتهم، واعتزلوا الضجيج.
لم يرموا أحدًا بحجر، فقط اختاروا طريقًا لا يمر من هناك.
تركوهم يرفسون بعضهم، ويمنحون النياشين لأطول نهيق، وأعنف رفسة.

تطوّر “الحضاريون الجدد”، فأنشأوا منصات باسم “نهق حر”، واسموھ قصة و”رفس بوعي”، واطلقوا عليھ شعر و”نبق لايف”، اختاروا لھ سياسة المرحلة؛ حتى صار لكلٍّ منهم اسم مستعار:

رفّاس الحكمة

صاحب النهيق الأصيل

النبقي الأول

واستمر السيرك بمعرض النبق المھترئ، تحت شعار:
“في الرفس حياة، وفي النهيق كرامة!”

وفي مساءٍ هادئ، وبين دفاتر التاريخ، فتح المؤرخ صفحة ممزقة كُتب أعلاها:
“عصر آكلي النبق.”
رائحة النهيق وخدوش الرفس على الورق جعلته يتردد… هل يُبقيها؟
لكنه قرر طيّها، لا إقصاءً، بل حفاظًا على الذوق العام.

وفي ظل شجرة معرفة، لا نبق، جلس فارسٌ عتيق وقال:
“حين تأكل الشعوب من النبق أكثر مما تحتمله، يصبح النهيق لغةً رسمية، ويغدو الصمت بطولة، والانسحاب فروسية.”

ثم غادر…
وظلّت الحضائر مغلقة على الداخلين، والنهيق مستمرًا… ولكن بلا جمهور.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button