أخبارالرئيسيةفي الصميم

في تهافت القطيع..

أصابني من هذا المشهد الغريب المُقزِّز غثيان في القلب قبل أن يبلغ الحلق، وكأنّي أقفُ على جُرفٍ من السقوط الأخلاقي لا مثيل له، تتزاحم عنده الغرائز البدائية وشهوات البطن مع ضمائر ماتت أو لم تولد أصلًا. رأيت بأمّ عيني ـ وما أقسى ما رأيت ـ نفرًا من بني جلدتي يشترون الأضاحي خلسةً، في ظلمةٍ من التواطؤ على الوطن، وكأنهم يبيعونه قطعةً قطعة، بلحمِ خروفٍ ذُبح قبل أن يُذبح. قلت في نفسي: أَوَهؤلاء من يُرجى منهم الدفاعُ عن الوطن إن داهمنا العدو؟ أيحمل السلاحَ من لم يستطع أن يحفظ ضميره حيًّا في ساعة الاختبار البسيط؟ كيف تُعقد الآمال على من خان الوطن قبل أن يشتدّ الخطب؟! هل هم جبناء، ناقصو الرجولة؟ هل لا نخوةَ عندهم ولا مروءة؟ و هل قلوبهم متعلقة بأمعائهم، لا بالوطن، ولا بالملك، ولا بالمصلحة العليا التي تحرس الرعية من مهالك الجفاف والندرة؟

بقلم: د. مهدي عامري

وهل الوطن إلا ميزانٌ تُختبر فيه القلوب قبل الأجساد؟ وهل طاعة أولي الأمر إلا مرآة لما في الصدور من إيمان ويقين؟

ها نحن استُدعينا لنصبر ولنؤجّل ذبح الأضاحي إلى الزمن المناسب، لنبقي على قطيعٍ هو رمز الاستمرارية والرحمة، وإذا ببعض القلوب تنفلت عن وحدة الأمة، وإذا ببعض المغاربة ـ سامحهم الله ـ يلوون النصوص الدينية ليجعلوا منها سلّمًا إلى العصيان، وإذا بالبعض يتلون كما يتخفّى اللص في جنح الليل، ليذبحوا بأيديهم ما تبقى من معنى التضامن والوفاء للعرش.

بلغ السيل الزُّبى…

أقولها بمرارة المتأمّل، لا بحدة الغاضب: لقد فشل هؤلاء في أول امتحان أخلاقي بعد القرار الملكي المطاع، فكيف بهم إذا اجتاحتنا ـ لا قدّر الله ـ الأزمات الكبرى، أو قرعت الحرب أبوابنا، أو استُنفِرنا للذود عن العرض والكرامة؟ أيستجيب هؤلاء؟ أيقفون في الصفوف الأولى؟ أم يهربون كما يهرب الجبناء من نار المواجهة؟ والله لا يُعوّل على من لا يصبر على حرمانٍ لأيام، فكيف يُعوّل عليه في الشدة والأزمنة الصعبة؟

لا أجد توصيفًا آخر… إنهم خونة للوطن على مستوى القيم والمقاصد والثقة والصدق مع الذات قبل الدولة.

فحسبي الله ونعم الوكيل في كلّ من باع غيرته على هذا الوطن العزيز بلقيمات من اللحم، ولقد خاب من جعل الدين طقسًا لا خلقًا، وموسمًا لا عهدًا، ومظاهرَ لا مواقف. و إن من لم يلتزم بالدعوة الملكية السامية ـ التي جاءت بعد رويّة وتقدير ـ لا يعرف من الدين شيئًا، ولا من الوطن إلا رائحة الأكباش المشوية.

فوا أسفاه!

اللهم إنّي بلّغت، اللهم فاشهد.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button