جهة بني ملال-خنيفرة تنفق مليار سنتيم على ملتقيات لا أثر لها على التنمية

في مشهد يثير الكثير من التساؤلات حول أولويات الإنفاق العمومي، أقدمت جهة بني ملال خنيفرة المصنفة أفقر جهة في المغرب وفقا لمعطيات المندوبية السامية للتخطيط (HCP) التي سجلت بها أعلى معدل للفقر متعدد الأبعاد بنسبة 9.8% على تمرير صفقتين مثيرتين للجدل لتنظيم ملتقيات إقليمية للاقتصاد الاجتماعي والتضامني بقيمة إجمالية تقترب من مليار سنتيم.
ورغم تفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها سكان الجهة، واستمرار الدعوات لترشيد النفقات وتوجيه الميزانيات نحو القطاعات الأساسية كالصحة والتعليم والبنية التحتية والتشغيل، تستمر السلطات الجهوية في صرف مبالغ ضخمة على أنشطة لا يلمس المواطن أثرها المباشر.
أحدث هذه الصفقات تمثل في تنظيم الدورة الرابعة للصالون الجهوي للاقتصاد الاجتماعي والتضامني المقرر بمدينة خريبكة سنة 2025،بميزانية بلغت 5.192.370 درهم. وتم إسناد الصفقة مجددا لشركة “إيماجري باب نيون” من فاس وهي نفس الشركة التي نظمت الدورة السابقة سنة 2022،ما يعيد إلى الواجهة التساؤلات حول نزاهة وشفافية مساطر إسناد هذه العقود ومدى فتح المجال لمنافسة حقيقية.
غموض في معايير الاختيار
وثائق الصفقة (05/RBK/2025) تظهر أن أربع شركات تقدمت بعروضها وتم إقصاء اثنتين لأسباب تقنية لتتأهل شركتان فقط للمرحلة المالية.المثير في الأمر أن عرض شركة “URBAEVENT INTERNATIONAL” كان أقل من عرض “إيماجري باب نيون” بنحو 7 آلاف درهم،إلا أن لجنة التحكيم قررت إقصاء الشركة الأولى دون توضيح الأسباب في الوثيقة الرسمية،ما أثار شكوكا حول مبدأ تكافؤ الفرص.
في المقابل تعود صفقة 2022 (05/RBK/2022) لتؤكد وجود نمط تكراري في إرساء الصفقات: إذ شاركت شركتان فقط وتم إقصاء واحدة لأسباب تقنية،لتبقى شركة “إيماجري باب نيون” وحدها وتفوز بميزانية ناهزت 4.911.280 درهم دون منافسة مالية حقيقية وهو ما يطرح علامات استفهام حول فعالية مسطرة العروض وضماناتها.
غياب الأثر الملموس
ورغم تنظيم هذه الملتقيات بشكل دوري، يشتكي سكان الجهة من استمرار ضعف تأثيرها على واقع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني محليا وعدم بروز نتائج ملموسة على صعيد التنمية أو تحسين مؤشرات التشغيل والدخل.وتوصف هذه الملتقيات من قبل فاعلين محليين ومتابعين للشأن العام بأنها “مظاهر شكلية”لا تعدو أن تكون منصات للخطابات والعروض الاستعراضية.
الحاجة إلى إعادة توجيه الإنفاق
مواطنو الجهة الذين يعانون من نقص حاد في الخدمات الأساسية،لا يخفون تذمرهم من هذه النفقات التي يعتبرونها “تبذيرا غير مبرر” خاصة في ظل ظروف اجتماعية واقتصادية تزداد تأزما.ويطالب كثيرون بإعادة النظر في سياسة الإنفاق العمومي وإعطاء الأولوية للمشاريع ذات العائد المباشر وتوجيه الاستثمارات إلى المجالات التي من شأنها إحداث فرق ملموس في معيشة المواطن.
كما يرى مهتمون بالشأن المحلي أن الجهات المسؤولة مطالبة بتعزيز شفافية صفقات الملتقيات والأنشطة المماثلة عبر التوسيع الفعلي لقاعدة المتنافسين والإفصاح عن معايير الإقصاء والاختيار بما يعزز الثقة في تدبير المال العام
عندما يتحول الاستثمار في “التنمية” إلى واجهة شكلية
ما يجري في جهة بني ملال خنيفرة ليس مجرد تفاصيل تقنية في دفتر تحملات أو أرقام في ميزانية،بل يعكس خللا أعمق في فلسفة تدبير الشأن العام الجهوي.فعندما تخصص ملايير السنتيمات لملتقيات تنظم وفق نمط مكرر لا يراعي حاجيات المواطن وتفوت لجهات بعينها في غياب منافسة حقيقية،فإننا أمام نموذج مزمن لإعادة إنتاج الفشل التنموي.
الاقتصاد الاجتماعي والتضامني بمفاهيمه الأصيلة،يفترض أن يكون رافعة للتشغيل الذاتي وتمكين النساء والشباب ومحاربة الهشاشة،لا مجرد عنوان لتظاهرات مناسباتية ترهق ميزانية الجهة ولا تترك وراءها أثرا يقاس .
اليوم،لم تعد الجهة في حاجة إلى صالونات وملتقيات بل إلى حكامة رشيدة تحول كل درهم يصرف إلى أثر اجتماعي واقتصادي ملموس وتحترم ذكاء المواطنين الذين باتوا يقرأون خلف الكواليس أكثر مما يقال في الكلمات الافتتاحية.
إن إنقاذ الجهة من واقعها التنموي المقلق يمر حتما عبر ربط المسؤولية بالمحاسبة، وإرساء ثقافة نتائج تفضل بناء مركز صحي أو تمويل تعاونية إنتاجية على تنظيم صالون فاخر لا يغير شيئا من واقع الناس.



