الصين وروسيا نحو دعم استراتيجي لمغربية الصحراء

في ظل التحولات الجيوسياسية العالمية المتسارعة، تبرز قضية الصحراء المغربية كأحد الملفات الاستراتيجية التي تعيد رسم موازين القوى في منطقة شمال إفريقيا وعلى الساحة الدولية.
ومن هذا المنطلق تبرز اليوم بوادر انخراط وشيك لكل من الصين وروسيا في دعم الموقف المغربي الراسخ،ما يعكس نجاح الاستراتيجية الملكية التي ربطت السياسة بالاقتصاد،ووضعت قضية الصحراء في صلب أولويات الدبلوماسية المغربية.
لقد مكنت هذه الاستراتيجية التي يقودها الملك محمد السادس من تحقيق مكاسب مهمة على المستوى الدولي، عبر بناء تحالفات استراتيجية ترتكز على منطق المصالح المشتركة في عالم لا يعترف إلا بالقوة السياسية والاقتصادية. إذ لم يعد ملف الصحراء مجرد نزاع إقليمي،بل أصبح اختبارا حقيقيا للتوازنات الدولية التي باتت تؤمن بضرورة استقرار فضاء اقتصادي واسع يضمن الأمن والتنمية.
ويبدو أن هذا التصور المغربي الشامل قد لاقى صدى واسعا لدى القوى الكبرى،فقد شهدنا في السنوات الأخيرة سلسلة من الاعترافات الدولية المتتابعة بمغربية الصحراء. حيث تميز الموقف الأمريكي عام 2020 بخطوة تاريخية بالاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء، تلتها مواقف إسبانية وفرنسية وبريطانية داعمة مما يعكس تحولا نوعيا في الموقف الدولي تجاه الملف.
وقد كشف تقرير حديث صادر عن معهد الهجرة الدولي عن احتمالية انخراط الصين وروسيا بشكل مباشر في دعم المخطط المغربي، وهو ما يؤكد المكانة المتزايدة التي باتت تحتلها المملكة على خريطة التوازنات الجيوسياسية في شمال إفريقيا. وأشار التقرير إلى أن المغرب كدولة مستقرة سياسيا واقتصاديا في المنطقة،نجح في كسب دعم غير مشروط من الولايات المتحدة مما دفع عضوي مجلس الأمن الدائمين،بكين وموسكو إلى إعادة تقييم مواقفهم ومن المتوقع أن يتبع ذلك انخراط إيجابي من طرفهما.
ويرى التقرير أن العلاقات الاقتصادية والاستراتيجية بين الرباط وبيكين تشهد تطورا مستمرا مع وجود إرادة واضحة لدى الصين لتعزيز تعاونها مع المغرب،خاصة في ظل تضمين قضية الصحراء ضمن استراتيجية التعاون الدولي المغربية.وقد أكد جلالة الملك في عدة مناسبات على أهمية هذا الملف كونه “النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم”،مما يبرز مدى أهميته في السياسة الخارجية للمملكة.
إن انخراط الصين وروسيا في دعم الموقف المغربي لا يقتصر على كونه خطوة دبلوماسية بحتة،بل يحمل تداعيات استراتيجية عميقة على المستوى الإقليمي والدولي.فهما بوصفهما عضوي مجلس الأمن الدائمين،يمتلكان قدرة كبيرة على توجيه القرارات الدولية والتأثير في موازين القوى.دعم هذين البلدين سيعزز من الشرعية الدولية للوحدة الترابية للمغرب ويمهد الطريق أمام مشاريع تنموية كبرى في الصحراء مدفوعة باستثمارات جديدة وفرص اقتصادية واعدة.
على المستوى الإقليمي، سيشكل هذا الدعم عامل استقرار في منطقة تعرف تقلبات أمنية وسياسية،مما سينعكس إيجابا على بيئة الأعمال والتنمية الاقتصادية.
كما أن تعزيز العلاقات مع قوتين عالميتين مثل الصين وروسيا يمنح المغرب موقعا استراتيجيا يمكنه من لعب دور الوسيط والمحرك الأساسي في مبادرات التعاون الإقليمي والدولي.
اقتصاديا فإن الانفتاح على الأسواق والاستثمارات الصينية والروسية سيساعد المغرب على تنويع اقتصاده خصوصا في مجالات الطاقة-النقل والبنية التحتية،كما سيدعم جهود المملكة في التحول الرقمي والتنمية المستدامة.هذا التوجه يعزز من قدرات المغرب على مواجهة التحديات العالمية والإقليمية ويمنحه فرصا أكبر للاندماج في الاقتصاد العالمي بطريقة تضمن مصالحه الوطنية.
يمكن القول إن هذا الدعم المنتظر من الصين وروسيا يفتح صفحة جديدة في سجل السياسة الخارجية المغربية،حيث تتحول القضية الوطنية إلى محور تعاون دولي متعدد الأبعاد، يترجم استراتيجية متوازنة تجمع بين القوة السياسية-الاقتصادية والدبلوماسية لتحقيق مستقبل مستقر ومزدهر للمغرب والمنطقة بأسرها.



