
وأنا أتابع قناة تلفزية مغربية، وأتصفح العديد من صفحات مواقع التواصل الإجتماعي، تعود للاسف لأشخاص ينعتون أنفسهم”بالنخبة”، أتأسف كثيرا لما أصبحنا نعيشه جراء ما تقدمه هذه القناة، وما ينشر من طرف هؤلاء، نجد أنفسنا أمام التفاهة بما تحمله الكلمة من معان متنوعة.
الأمر الذي يجعلنا نتساءل: هل المغرب اليوم بحاجة الى مثل هذه التفاهات، تقدم وتعرض على أنها من المفكرين والمنظرين؟ هل نحتاج الى تغيير الواقع الذي غلبت عليه سلطة المال على سلطة العقل والوعي؟وهل بما يقدمه هؤلاء سنعمل على تغيير الواقع الذي أصبحت فيه التفاهة هي الأصل، تفاهة أنتجت لنا مواطنا يؤيد ولا يعارض ولو كان الأمر على حساب كرامته، قيمه وهويته، التي طمست وغابت..وهنا أستحضر مقولة المفكر المغربي عبد الله العروي: “حين تتصدع علاقة المجتمع بالمعرفة، تتسلل الرداءة إلى كل مفصل من مفاصله” وما قدمته القناة التلفزية المغربية وما تم نشره عبر مواقع التواصل الإجتماعي والحديث عما حققه “طوطو” مرتدي لباس يحمل اسم “سلكوط”، ليس سوى تجل واضح لهذه الرداءة التي أصبحت مقبولة، بل ومصوتا لها ربما بأغلبية ساحقة عندما ترغب في الترشح.
مع توالي هذه المشاهد التي تشمئز لها النفوس، كيف لنا أن نتحدث عن مغرب النخب التي أصبحت تقبع في المقاهي حاملة شواهدها بصمت، تُكابد من أجل كراء بيت أو سداد فواتير الحياة. في المقابل نجد التافه، المتناقض معرفيا وسلوكيا، يُصدر إلينا كفنان بدون رسالة هادفة، كسياسي بدون مشروع اجتماعي تنموي، نجدهم في القمم بسبب فئة تافهة أرادت تلميع صورها بما هو أتفه منها..لقد أصبحنا نعيش في زمن “الديمقراطية الأمية” التي تُمارَس فيها السياسة بمنطق السوق، حيث لا يُسأل المترشح عن برنامجه، ولا الفنان عن رسالته، بقدر ما أصبح السؤال مرتكزا على “كم ستدفع” لتلميع الصورة، ولتجييش التفاهة الالكترونية لخدمته.
إن تفشي مثل هذه النماذج، ما هو إلا نتاج طبيعي لمجتمع تآكل فيه الإيمان بالتعليم، وأصبح النفوذ يُقاس بالمال لا بالمعرفة، وبالظهور لا بالعمق. وهنا مأساة المغرب الحديث: النخبة الصامتة، بينما الجهلة هم المتكلمون، وهذا ما أكده المهدي المنجرة،”حين يُستبدل المفكر بالراقص، والمعلم بالمهرّج، والسياسي بالسمسار، فانتظر كارثة وطنية”.
وها نحن نعيش الكارثة…إن لم يستيقظ المجتمع المغربي من سباته، إن لم يُعد لوعيه، وإن لم يفهم أن التسويق للتفاهة، والتصويت للأمي هو خيانة للمستقبل، فإن القادم سيكون أسوأ.
للتذكير، لا ننتقد الفنان كشخص وإنما لتفاهته وباعتباره ظاهرة جديدة تنخر مجتمعنا.



