من الخيال الشعبي إلى العالمية: هل يصبح الشباب المغربي صانع ألعاب الفيديو الرائد؟

في عصر تتربع فيه التكنولوجيا على عرش اللغات الكونية، وتغدو الألعاب الإلكترونية قوة ثقافية واقتصادية عظمى عالمياً، يبرز تساؤل جوهري في المغرب: هل نحن مستعدون لتحويل طاقات شبابنا من مجرد مستهلكين إلى مبدعين في هذا المجال الحيوي؟
تقدم الدولة المغربية إجابة سريعة عبر رهانات استراتيجية تجمع بين الاقتصاد الرقمي، صناعة المحتوى، والهوية الثقافية. يتجلى ذلك في تنظيم معرض وطني لصناعة الألعاب الإلكترونية تحت رعاية ملكية وبدعم حكومي مباشر. لكن خلف الأضواء والتصريحات الرسمية، تكمن معركة حقيقية تتمثل في بناء جيل رقمي مغربي واثق من قدراته، قادر على إنتاج قصة رقمية مغربية لا تقلد الآخرين بل تنافسهم من موقع الأصالة والابتكار.
– معرض الألعاب الإلكترونية بالرباط: منصة لمستقبل رقمي واعد
احتضنت الرباط فعاليات النسخة الثانية من “معرض المغرب لصناعة الألعاب الإلكترونية”، تحت الرعاية السامية للملك محمد السادس. لم يعد هذا المعرض مجرد تظاهرة تكنولوجية، بل تحول إلى موعد وطني استراتيجي لترسيخ مكانة المغرب ضمن خارطة الاقتصاد الرقمي العالمي.
أكد وزير الشباب والثقافة والتواصل، محمد المهدي بنسعيد، أن هذا المعرض يجسد دخول المغرب مرحلة جديدة من اقتصاد الإبداع، عنوانها: “الابتكار، الهوية، والانفتاح على العالم”.
– أرقام عالمية وطموح مغربي واقعي
قدم المحلل الاقتصادي رشيد ساري معطيات تبرز ضخامة قطاع صناعة الألعاب الإلكترونية عالمياً، حيث تبلغ قيمته حاليًا أكثر من 300 مليار دولار، ومن المتوقع أن تتجاوز 500 مليار دولار بحلول عام 2033.
يطمح المغرب إلى اقتناص 1% فقط من هذه السوق العالمية، أي ما يعادل 3 مليارات دولار كعائدات محتملة. هذا الطموح يبدو واقعيًا بالنظر إلى توفر البلاد على رأسمال بشري مؤهل، ومقومات ثقافية فريدة، وبنية تحتية رقمية متنامية.
– الثقافة كمحتوى رقمي: المغرب، أساطير وهوية
يرى رشيد ساري أن القوة التنافسية الحقيقية للمغرب في سوق الألعاب الإلكترونية لا تكمن فقط في بنيته الرقمية أو تصدره إفريقيا في جذب الاستثمارات التكنولوجية، بل في غناه الثقافي والتاريخي الذي يمكن أن يتحول إلى محتوى تفاعلي أصيل وجذاب.
فشخصيات من الخيال الشعبي المغربي مثل “هينة” و”عائشة قنديشة” و”عمي الغول”، ومدن تاريخية عريقة كـ”وليلي” و”فاس” و”مراكش”، ليست مجرد رموز من الماضي، بل هي مواد خام قادرة على أن تصبح عوالم افتراضية نابضة بالحياة، تنقل التراث المغربي الأصيل إلى شاشات العالم بلغة العصر الرقمي.
يؤكد ساري أن بعض المقاولات الناشئة بدأت بالفعل في تحويل الحكايات الشعبية إلى تجارب ألعاب رقمية، لكنها ما زالت تفتقر إلى التمويل والتأطير، ومنظومة متكاملة تواكبها منذ مرحلة التكوين وصولاً إلى الإنتاج والتسويق.
وفي ظل غياب بيانات دقيقة وحديثة حول هذا القطاع، يحذر ساري من الاعتماد على دراسات قديمة، ويدعو إلى إعداد خرائط قطاعية واقعية تمكّن من توجيه السياسات العمومية وتحفيز الاستثمار.
ختاماً، يؤكد رشيد ساري: “إنها فرصة فريدة لتحويل الألعاب الإلكترونية من مجرد وسيلة ترفيه إلى سفير ثقافي ناعم ومنتج اقتصادي قوي يُعرف العالم بمغرب يجمع بين أصالة التراث ورهانات المستقبل، ويصنع ثروته من داخل إبداع شبابه.”