مهرجان”مغرب الحكايات”وشغف الحكي يجمع المشترك الانساني للقارات الخمس

تتواصل فعاليات النسخة الاستثنائية لمهرجان “مغرب الحكايات” في عاصمة المملكة، الرباط، لتغمر المدينة بسحر الكلمة المتوارثة وعبق التراث الشفوي الأصيل. هذا المهرجان، الذي يُعد موعدًا ثقافيًا بامتياز، لا يقتصر على كونه مجرد تظاهرة فنية، بل هو احتفال حيوي بالذاكرة الجماعية للشعب المغربي، ويُعيد إحياء فن الحكي الذي طالما كان ركيزة أساسية في بناء وتشكيل الهوية الثقافية.
وتحتضن رباط الأنوار على مدى أسبوع ( 06-13يوليوز ) هذه المدينة التي تحمل عبق التاريخ وأصالة التقاليد، فعاليات المهرجان في فضاءات متنوعة وعريقة. من رياضات المدينة القديمة التي تفوح منها رائحة الياسمين، إلى ساحاتها التاريخية التي شهدت حكايات الأجداد، وصولًا إلى المراكز الثقافية الحديثة التي تفتح أبوابها لاستقبال وفود الحكواتيين والجمهور المتعطش للكلمة. كل زاوية في الرباط تتحول إلى خشبة مسرح مفتوحة، حيث تتشابك خيوط الحكايات لتنسج لوحة فنية بديعة تجمع بين الماضي والحاضر.

أصوات الحكواتيين: جسر بين الأجيال
يُعد الحكواتي، أو “الحكّاء”، هو نجم هذا المهرجان بامتياز. فبصوته الدافئ، وإيماءاته المعبرة، وقدرته الفريدة على نسج الخيال بالواقع، يأخذ الحكواتي جمهوره في رحلة عبر الزمن والأماكن. يشارك في المهرجان حكواتيون من مختلف مناطق المغرب، كل منهم يحمل في جعبته كنوزًا من القصص الشعبية، الأمثال المتوارثة، والنوادر الطريفة التي تُروى بلهجات مختلفة، لتُبرز ثراء وتنوع الموروث الشفوي المغربي.

ولم يقتصر المهرجان على الأصوات المحلية، بل استضاف حكواتيين من دول عربية وأفريقية وأسيوية وأوروبية وأمريكية، مما أضفى بُعدًا عالميًا على الفعالية وعزز من تبادل الخبرات الثقافية. هذا التلاقي والتلاقح الفني يؤكد على أن الحكي فن عابر للحدود، يجمع الشعوب على قيم مشتركة وإنسانية موحد ترسم ملامح مستقبل العيش المشترك.
برنامج غني يلامس الروح والعقل
شهدت فعاليات المهرجان برنامجًا ثقافيًا غنيًا ومتنوعًا يلبي أذواق مختلف الفئات العمرية. فبالإضافة إلى الأمسيات الرئيسية للحكي في مختلف الساحات العمومية التي جذبت جمهورًا غفيرًا، تضمن المهرجان، ورشات عمل تفاعلية موجهة للأطفال والشباب لتعليمهم فن الحكي وتقنياته، وتشجيعهم على استكشاف قدراتهم الإبداعية في هذا المجال. هذه الورش تهدف إلى غرس حب التراث في نفوس الأجيال الصاعدة.

أيضا حرص المهرجان على تنظيم ندوات فكرية وموائد مستديرة ناقشت دور الحكي في صون الذاكرة الوطنية، وتحديات فن الحكي في العصر الرقمي، وكيفية تكييفه مع وسائل الاتصال الحديثة للحفاظ على استمراريته.
أهمية المهرجان: صون الذاكرة وتعزيز الهوية
تكمن الأهمية الكبرى لمهرجان “مغرب الحكايات” في كونه أكثر من مجرد حدث احتفالي. إنه مبادرة حيوية لـصون الذاكرة الجماعية للمغرب، ونقل كنوزها من جيل إلى جيل. ففي زمن تتسارع فيه وتيرة الحياة وتتراجع فيه أحيانًا قيمة السرد الشفوي أمام طوفان المحتوى الرقمي، يأتي هذا المهرجان ليذكرنا بأهمية الكلمة المتوارثة كوعاء للهوية والقيم والأخلاق.

كما يساهم المهرجان في تعزيز السياحة الثقافية للرباط، ويجعلها قبلة لعشاق الفنون التراثية من داخل المغرب وخارجه. إنه يعكس الوجه الثقافي الغني للمغرب، ويؤكد على مكانة المغرب الذي يولي أهمية كبرى للحفاظ على تراثه اللامادي.



