Hot eventsأخبارأخبار سريعةالمرأةمغاربة العالم

صرخة رشيدة داتي تدعو لإعادة صياغة السردية المغربية في أوروبا: بين الإنجازات ووطأة اليمين المتطرف

لطالما افتخر المغاربة بإنجازات رجالاتهم العظام وملوكهم الكرام، من أمثال الشريف الإدريسي والحسن الوزان، وصولًا إلى مغاربة العالم المتميزين في عصرنا الحديث كـ رشيد اليزمي، منصف السلاوي، كوثر حفيظي، أسماء بوجيبار، نجاة بلقاسم، ورشيدة داتي. إلا أن التساؤل يطرح نفسه: هل يكفي رسم بورتريهات مشرقة لهؤلاء الموهوبين بينما تتراجع الأمة خطوة إلى الوراء عند كل حادث عنصري أو عنف غير مبرر ضد أبنائها بالخارج؟

إن حادثة “توري باتشيكو” في إسبانيا، وما تعرض له المغاربة العاملون في حقول وفنادق مورسيا من بلطجة وتهديد من طرف اليمين المتطرف الإسباني “فوكس”، بالإضافة إلى الرد القوي للوزيرة رشيدة داتي من داخل مؤسسة تشريعية فرنسية بقولها: “أنا لست عاملة نظافة”، يدعونا إلى إعادة ترتيب الأوراق والتفكير بجدية بالغة. هذه الأحداث ليست محض صدفة، بل هي حلقة صغيرة من صراع وجودي وأيديولوجي كبير يتزعمه اليمين المتطرف في دول أوروبية رئيسية كفرنسا، إيطاليا، ألمانيا، النمسا، هنغاريا، إسبانيا، هولندا، وبلجيكا.

مواجهة سردية اليمين المتطرف بسردية الإنجازات

لا يجب أن يدفعنا هذا الواقع إلى جلد الذات أو الانتقاد المجاني. فالأطراف واضحة: من جهة، هناك سردية اليمين واليمين المتطرف بأجندته السياسية وشعاراته حول الحفاظ على الدين المسيحي، الأسرة، البنية الديمغرافية الأوروبية، والحدود السيادية. وفي المقابل، تبرز سردية إنجازات مغاربة العالم التي تذكر بمعاناة التعلق الشديد بالهوية والثقافة المغربية، ودفاعهم عن المقدسات الوطنية والترابية ومغربية الصحراء، ومساهمتهم في التنمية والتضامن الاجتماعي.

صرخة الوزيرة رشيدة داتي، وهي وزيرة سابقة للعدل والثقافة، ومن القيادات البارزة في حزبها بفرنسا، جاءت لتؤكد هذه الحقيقة. وفي الأسبوع نفسه، تعرضت الوزيرة السابقة نجاة بلقاسم لحملة شرسة من اليمين المتطرف بعد تعيينها في منصب قضائي مرموق، متجاهلين معيار الاستحقاق. هذه المسارات، كمسار خديجة عريب في هولندا أو فؤاد أحيدار في بلجيكا، لم تكن مفروشة بالورود، بل كانت مقاومة يومية وجهدًا مضاعفًا لمواجهة تيار اليمين المتطرف في أوروبا.

الحاجة إلى سردية مغربية جديدة: إنصاف الماضي وبناء المستقبل

لذلك، نحن بحاجة ماسة اليوم إلى انخراط جميع النخب المغربية، الأقلام، والمؤثرين بالخارج في عمل جماعي لصياغة سردية مغربية جديدة تقارع سردية اليمين المتطرف في أوروبا. يجب أن تتضمن هذه السردية نقدًا ذاتيًا إيجابيًا وبناءً، خاصة وأننا لم ننجح بعد في إنتاج ما يكفي من الأعمال الفكرية والأدبية التي تنتصر للمسارات الإيجابية لمغاربة العالم، بدءًا من ابن بطوطة والأزموري.

كما يجب إعادة النظر في تلك الاحتفالات “الفلكلورية” الباهتة التي تقام على شرف الجنود المغاربة المشاركين في الحرب العالمية الثانية. فالسردية الجديدة يجب أن تتجاوز الصورة النمطية للشيوخ الذين يقفون بعلامات الشجاعة على صدورهم، منتظرين السلام على رئيس الدولة. بل يجب أن تركز على الاهتمام بوضعهم الصحي، المادي، والقانوني أولًا، وتوثيق بطولاتهم وتضحياتهم من أجل أوروبا ديمقراطية وحرة. فقليلة هي القصص والروايات والوثائقيات والأفلام التي تحكي عن هؤلاء الأبطال الذين سالت دماؤهم على أراضي أوروبا.

إننا كدنا نغرق في أدب مهجر يغرف من “النوستالجيا” ويغذي، بدون قصد، بعض عناصر المخيال الأوروبي عن المهاجر المغربي المسلم. العديد من هذه الإنتاجات الأدبية، التي فازت بجوائز أوروبية، كانت تتحدث عن جوانب الحياة الأسرية والاجتماعية المغربية، وربما كان اليمين المتطرف بحاجة فقط إلى “وشهد شاهد من أهلها” لتعزيز سرديته.

تحدي سردية “الماروكيناتي” وإنصاف “جنود القوم”

من الصعب أن تفوز رواية تتحدث عن بطولات ومواقف مغربية فاصلة في معادلة النصر في الحرب العالمية الثانية. فاليمين المتطرف بآلته الإعلامية ومجموعاته المالية والاقتصادية، لن يسمح بسردية جديدة تمجد دور آباء المهاجرين المغاربة أو الأفارقة في تخليص أوروبا من الفاشية والنازية.

هذا ما نلاحظه في إيطاليا مع أحداث “الماروكيناتي”، حيث لم نستطع إنتاج سردية جديدة منافسة بإمكانها تغليب دور “جنود القوم” المغاربة في معركة مونتي كاسينو عام 1944 على عمليات اغتصاب جماعي تمت معاقبة مرتكبيها. تقتضي السردية الجديدة إنصاف جنود مغاربة سقطوا بالآلاف في جبال إيطاليا، وواجهوا بصدور عارية أسلحة هتلر وموسوليني.

واقعة “الماروكيناتي” تعتبر نقطة شائكة يجب التفكير فيها، حيث استغلها اليمين المتطرف الإيطالي لتغذية المخيال الجماعي المحلي بأن المهاجر المغربي الحالي هو ابن ذلك الجندي الذي ارتكب هذه العمليات. وقد تنوعت مجالات توظيف هذه الواقعة، من تقارير ودعاوى قضائية إلى روايات وكتب تحولت بعضها إلى أفلام، مثل “لا تشوتشارا” بطولة صوفيا لورين، بالإضافة إلى عشرات الوثائقيات والأفلام القصيرة.

لقد كانت صرخة الوزيرة رشيدة داتي هي القطرة التي أفاضت الكأس. لقد انتهى زمن السردية الوحيدة، ونحن الآن في بداية عهد جديد وطريق جديد يتطلب أدوات جديدة. يلزمنا كتابة جماعية لسردية تساهم فيها القوى الحية إلى جانب الفاعل الديني والسياسي والإعلامي والباحثين في علوم الاجتماع، عنوانها “رفقاء في الخندق، شركاء في المواطنة في بلدان الإقامة”.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button