اتحاد المحامين الشباب بمراكش حين يلتقي التاريخ بالراهن لاستشراف أفق واعد

مراكش- الحدث الافريقي
في مشهد يُعيد الاعتبار لذاكرة العمل الجمعوي المهني، ويمدّ جسور التواصل بين أجيال المحاماة، نظم اتحاد المحامين الشباب بمراكش مساء اليوم الجمعة 20 يونيو الجاري، لقاءً تواصلياً نوعياً جمعه برؤسائه السابقين، في مبادرة تحمل من الدلالة ما يفوق الطابع الاحتفالي، لتلامس العمق الرمزي لمفهوم الاستمرارية، والوفاء لمسار جماعي تشكّل عبر سنوات من التراكم النضالي والمبادرات المبدعة.
اتحاد المحامين الشباب بمراكش ليس مجرد إطار تنظيمي، بل هو شهادة حية على التحولات التي عرفها الجسم المهني، منذ أن قرر ثلة من الزملاء في سنوات مضت خوض مغامرة التأسيس، في سياق مهني وسياسي كان يفرض على الشباب أن يكونوا في الصفوف الأولى دفاعاً عن القيم الكونية للمحاماة، وعن استقلالية المهنة، وكرامة المنتسبين إليها.
لقد كان الرؤساء السابقون للاتحاد، كل من موقعه وفي زمنه، حراساً لفكرة النبل المهني، وصوتاً للمحامين الجدد وهم يطرقون أبواب المهنة الشريفة، باحثين عن موطئ قدم داخل المحاكم، وبين طيات الملفات، وعلى منصات النقاش العام. وقد استطاعوا عبر محطات متتالية أن يؤسسوا لتقاليد العمل التشاركي، ويرسخوا ثقافة الالتزام المهني والأخلاقي، وجعلوا من الاتحاد فضاءً حقيقياً للتكوين والمرافعة والانخراط في قضايا المجتمع.
ما ميّز اللقاء أيضاً هو الحضور البارز للعنصر النسوي داخل الاتحاد، سواء من خلال الرؤى الحاضرة في النقاش أو من خلال الأداء اليومي داخل أجهزة الاتحاد. فنساء المهنة، وخاصة الشابات منهن، لم يعدن يكتفين بالمشاركة الصامتة أو الوجود الرمزي، بل أصبحن في صلب صناعة القرار، وتوجيه البوصلة التنظيمية والفكرية للاتحاد.
وفي هذا السياق، عبّرت الأستاذة يقين بركة، وهي واحدة من الوجوه النسائية الشابة المنخرطة بجدية في عمل الاتحاد، في تصريح لجريدة الحدث الإفريقي، عن اعتزازها الكبير بهذه المبادرة قائلة:
“لقاء الأجيال هو لحظة تعلّم قبل أن يكون لحظة احتفاء. نحن نستلهم من الرؤساء السابقين دروساً في الالتزام والوفاء، ونستشعر حجم المسؤولية الملقاة على عاتقنا كجيل جديد، خاصة وأننا كنساء لم نعد نستجدي الفرص، بل نصنعها داخل الاتحاد، بوعي حقوقي ومهني عميق.”

اللقاء الذي نظمه الاتحاد لم يكن مجرد جلسة بروتوكولية، بل كان بمثابة عودة للينابيع. لقد جلس الرؤساء السابقون جنباً إلى جنب مع المكتب الحالي، واستُحضرت في الجلسة روافد التجربة، والنجاحات والانكسارات، وما حملته كل مرحلة من تحديات. تبادل الجميع قصصاً، ونصائح، وانفعالات، ضحكوا واسترجعوا المواقف، ليس من باب الحنين فقط، ولكن من موقع استلهام العبرة، ورسم الملامح القادمة بناءً على ما سبق.
كان واضحاً أن هذه المبادرة أعادت الاعتبار لروح الاتحاد كجسر لا ينبغي أن ينقطع، مهما تغيرت الوجوه أو تبدلت السياقات. فالثابت الوحيد في هذا المسار هو الالتزام الصادق بخدمة المحاماة، وتحصين مكانة الشباب داخل المنظومة المهنية.
اليوم، يعيش اتحاد المحامين الشباب بمراكش مرحلة جديدة، حيث تتقاطع التحديات المهنية مع المتغيرات التشريعية والتقنية والاجتماعية، مما يفرض على الجيل الحالي أن يكون وفياً للروح المؤسسة، لكنه في الوقت نفسه منفتحٌ على أدوات التأطير الحديثة، وأساليب الاشتغال الجماعي المستدام.
وإن كان حضور القيادات الشابة لافتاً، فإن تأنيث هذا الحضور بوجوه نسائية وازنة يضفي على التجربة بعداً إضافياً من التنوع والتمكين، يجعل من الاتحاد فضاءً فعلياً للمساواة والعدالة داخل الجسم المهني.
في الختام، ليس أجمل في تاريخ التنظيمات المهنية من أن تلتفت إلى ذاكرتها الحية، وتعيد الاعتبار لمن صنعوا ملامحها الأولى، بمنطق العرفان لا النسيان، وبروح البناء لا التجاوز. اتحاد المحامين الشباب بمراكش، وهو يُنصت إلى من سبقوه، لا يسير إلى الوراء، بل يشدّ على أيديهم ليأخذ منهم الشعلة، ويواصل بها مسار التوهج المهني والإنساني.
ووسط كل ذلك، لا يمكن إلا أن نثمّن تزايد انخراط النساء، الشابات خصوصاً، في الدفاع عن كرامة المهنة ومكانتها، بكل نضج وجرأة وثقة.



