
بقلم: **زهير أصدور
أرسى اجتهاد محكمة النقض المغربية في 21 دجنبر 2021 بعد استحقاقات 8 شتنبر الماضية، قاعدة صريحة: العفو الملكي ورد الاعتبار لا يعيدان الأهلية الانتخابية للأشخاص المحكوم عليهم بعقوبة جنائية. القرار يستند إلى القانون رقم 57.11 والمادة 8 من القانون 75.11، مؤكدًا أولوية النصوص الانتخابية على القانون الجنائي العام، ومكرسًا مبدأً قضائيًا يضع قيوداً صارمة على ممارسة الحقوق السياسية للأفراد المحكوم عليهم.
من منظور حقوقي، هذا الموقف يثير نقاشاً عميقاً حول التوازن بين حماية نزاهة المؤسسات السياسية وحق المواطنين في المشاركة السياسية.
فحتى بعد استفادة المحكوم عليهم من العفو الملكي أو قرار رد الاعتبار، يُحرمون من ممارسة حق أساسي في الديمقراطية، وهو ما يتناقض جزئياً مع المبادئ الدولية المعتمدة في مجال الحقوق المدنية والسياسية، والتي تؤكد أن أي تقييد للحق في الانتخاب يجب أن يكون محدوداً، متناسباً، ومبرراً بحماية الديمقراطية ومؤسساتها الأساسية.حرمان الأفراد من الأهلية الانتخابية بعد إعادة الإدماج يطرح تساؤلات حول مدى توافق التشريع الوطني مع معايير حقوق الإنسان الدولية، مثل مبدأ عدم التمييز وحق المشاركة السياسية والمساواة بين المواطنين.
فقد أكدت المواثيق الدولية، بما فيها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، أن لكل مواطن الحق في المشاركة في إدارة الشؤون العامة، والحق في انتخاب وممارسة الوظائف العامة، مع وجوب أن تكون أي قيود على هذه الحقوق واضحة وضرورية ومرتبطة بأسباب مشروعة.
من جهة أخرى، يُعتبر إعادة الإدماج الاجتماعي والسياسي جزءاً من تعزيز الكرامة الإنسانية، وتمكين الأفراد من العودة إلى الحياة العامة بعد انتهاء العقوبة أو استفادتهم من العفو ورد الاعتبار. وبالتالي، تطبيق الاجتهاد القضائي دون تعديل تشريعي قد يؤدي إلى حرمان هؤلاء الأفراد من المشاركة السياسية، رغم استيفائهم لمعايير إعادة الإدماج المدني، ما يثير إشكالات تتعلق بالعدالة الانتقالية والمصداقية الديمقراطية.
التحدي العملي المقبل يرتبط بـ انتخابات 2026 وما بعدها: هل سيُطبق هذا الاجتهاد مباشرة على كل المحكوم عليهم، أم أن المشرع سيجد نفسه مضطراً قبل نهاية السنة لتعديل النصوص الانتخابية وإدراج مادة صريحة توضح العلاقة بين العفو، رد الاعتبار، والأهلية الانتخابية؟ غياب نص واضح قد يؤدي إلى تطبيقات متباينة على مستوى اللجان الانتخابية المختلفة، ويضعف ثقة المواطنين في نزاهة العملية الانتخابية.
الاجتهاد القضائي يحمي نزاهة المؤسسات السياسية ويؤكد صرامة القانون الانتخابي، لكنه يخلق فجوة واضحة بين حقوق المواطنين بعد الإدماج القضائي والمعايير الدولية للحقوق المدنية والسياسية.
ومن منظور حقوقي وتحليلي، يصبح إصلاح النصوص الانتخابية ضرورياً لضمان توازن أفضل بين حماية الديمقراطية وحق المواطنين في المشاركة السياسية، بما يعزز العدالة والكرامة والاندماج الاجتماعي، ويتيح للبلاد مواصلة تطوير مؤسساتها الديمقراطية في إطار احترام الحقوق الإنسانية الأساسية.
*عضو المكتب السياسي لحزب الحركة الشعبية.



