المصافحة بين الرجل والمرأة في بيئة العمل.. جدل شرعي متجدد بين النص والعرف

لا يزال موضوع مصافحة المرأة لزميلها في العمل يثير نقاشا واسعا داخل المجتمعات المسلمة،باعتباره من القضايا الحساسة التي تتقاطع فيها الفتوى الشرعية مع الواقع الاجتماعي الحديث.فبينما يرى فريق من العلماء أن المصافحة بين الجنسين محرمة على وجه القطع استنادا إلى بعض الأحاديث النبوية يذهب آخرون إلى أنها مسألة اجتهادية تختلف باختلاف النية والظروف والسياق المهني.
وقد أعادت دار الإفتاء المصرية إحياء النقاش مؤخرا عبر فتوى صادرة عن الشيخ أحمد وسام،أمين الفتوى الذي أكد أن المسألة محل خلاف فقهي قديم بين العلماء،لكن الرأي الذي تميل إليه المؤسسة هو مراعاة العرف السائد شريطة انتفاء القصد السيئ أو إثارة الفتنة.
وأوضح المتحدث،خلال برنامج “فتاوى الناس”أن المصافحة في ذاتها لا تعتبر محرمة شرعا إذا تمت في إطار اجتماعي أو مهني طبيعي خال من الشهوة والريبة. وأضاف أن “العبرة ليست بالفعل ذاته وإنما بالنية والظروف المحيطة به”لافتا إلى أن عددا من الصحابة الكرام،ومنهم أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما،تعاملوا مع النساء وفق أعراف زمنهم بما لا يثير شبهة.
وبالمقابل شدد وسام على أن الاحتياط يظل أولى في حال وجدت ظروف تدفع إلى الريبة أو تثير الحرج،داعيا إلى الالتزام بالوقار والجدية في التعامل بين الجنسين داخل فضاءات العمل،بما يحفظ الاحترام المتبادل ويصون القيم الإسلامية دون إفراط في التشدد أو تفريط في التساهل.
وفي مقابل هذا الرأي الوسطي تتمسك بعض التيارات السلفية بفتوى التحريم القطعي للمصافحة بين الرجل والمرأة الأجنبية،معتبرة أن الأحاديث النبوية الصحيحة تنهى عن ذلك بشكل صريح مستدلين بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: “لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له”.كما ذهب مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة التعاون الإسلامي في بعض توصياته إلى ترجيح جانب المنع،درءا للذرائع وحسما لمواطن الشبهة.
أما في المقابل،فيرى عدد من العلماء المعاصرين خاصة في البيئات الغربية والإسلامية المختلطة، أن رفض المصافحة قد يفهم كسلوك سلبي أو حتى نوع من القطيعة الاجتماعية وهو ما قد يسيء لصورة المسلمين.لذلك يجيزونها عند الضرورة المهنية أو العرفية،على أن تكون بلا خضوع ولا تلذذ انسجاما مع مقاصد الشريعة في التيسير ورفع الحرج.
هذا التنوع في الآراء يعكس ثراء الفقه الإسلامي وقدرته على استيعاب التحولات الاجتماعية،ويطرح سؤالا أوسع حول كيفية الموازنة بين النصوص الشرعية ومتطلبات الحياة المعاصرة،في ضوء المقاصد الكبرى التي تدعو إلى حفظ الكرامة وصيانة الأخلاق من جهة والتيسير والتفاعل الإيجابي مع المجتمع من جهة أخرى.



