الجزائر تنهار..فرار”الجن”و 30 جنرالًا و 200 ضابط سام في السجون

تعيش الجزائر هذه الأيام وضعا يشبه أجواء العشرية السوداء من تسعينيات القرن الماضي. حالة من الاستنفار الأمني غير المسبوق، اتخدته سلطات الجزائر، بعد فرار الجنرال البارز عبد القادر حداد، المعروف بلقبه الشهير “ناصر الجن”، مدير المديرية العامة للأمن الداخلي (DGSI) السابق. الخبر الذي انتشر كالنار في الهشيم يوم 18 سبتمبر، أثار موجة من الشائعات حول انهيار النظام الحاكم، وإمكانية انقلاب عسكري يهدد استقرار البلاد التي تعاني بالفعل من صراعات داخلية عميقة.
ناصر الجن من “اليد السوداء” إلى المنفى السحيق
الجنرال حداد، الذي ولد في السبعينيات وارتقى في صفوف المخابرات الجزائرية خلال فترة الحرب الأهلية المعروفة بـ”العشرية السوداء” (1992-2002)، اكتسب لقبه “ناصر الجن” بسبب دوره المثير للجدل في عمليات مكافحة الإرهاب. وفقًا لتقارير إعلامية فرنسية، كان حداد يُلقب بـ”اليد السوداء” داخل أروقة النظام العسكري، مرتبطًا بملفات اختطاف، تعذيب، واغتيالات طالت معارضين سياسيين داخل الجزائر وخارجها. بعد إقالته في 22 مايو 2025، وتوقيفه لفترة وجيزة، وضع تحت الإقامة الجبرية في فيلا راقية بحي دالي إبراهيم بالعاصمة، حيث يقيم كبار الضباط.
لكن الفرار كان مذهلاً: وفقًا لمصادر متطابقة نقلتها وسائل إعلام جزائرية وفرنسية، غادر حداد التراب الجزائري عبر قارب سريع من نوع “فانتوم”، المستخدم عادة في عمليات الهجرة غير النظامية، باتجاه السواحل الإسبانية. لم يكن وحده؛ تقارير تشير إلى أنه هرب برفقة ستة ضباط كبار آخرين، مما يثير تساؤلات حول حجم الشبكة الداعمة له داخل الأجهزة الأمنية. وجهته المحتملة إسبانيا، حيث يملك عقارًا في برشلونة، وسبق له اللجوء إليها في 2015 هربًا من حملة تطهير أطلقها الراحل أحمد قايد صالح، رئيس الأركان السابق.
شبح العشرية السوداء يطل على الجزائر
منذ الإعلان عن اختفائه، غُلقت الطرق الرئيسية في العاصمة وضواحيها بحواجز تفتيش تذكر السكان بأسوأ أيام التسعينيات. نشرت وحدات الشرطة والجيش، بالإضافة إلى قوات خاصة، في أحياء مثل حيدرة وناغارين، مع عمليات مداهمات وتفتيش لفيلات فخمة دون إذن قضائي. حتى حافلات النقل العام خضعت لتفتيش دقيق، مما أدى إلى ازدحام مروري خانق. وفي تطور مثير، أُبلغ عن تمشيط جوي فوق ولاية الشلف بطائرة تحمل رمز 7TVUR، تبحث عن أي أثر للهارب.
عقد المجلس الأعلى للأمن اجتماعا استثنائيا يوم 18 سبتمبر، بحضور الرئيس عبد المجيد تبون وقائد الجيش، لمناقشة الوضع. النتائج الأولى: إقالة اللواء مهراز جريبي، مدير أمن الجيش، ورئيس مركز التحقيق العسكري في بن عكنون، إلى جانب اعتقالات أخرى في صفوف الضباط. حاليًا، يقبع نحو 200 ضابط سام في السجون، بينهم 30 جنرالًا، مما يعكس حملة تطهير مستمرة منذ تولي تبون السلطة في 2019.
صراع داخلي: بين الانهيار والانقلاب المرتقب
يُعتبر فرار “ناصر الجن” ليس مجرد حادث أمني، بل زلزال سياسي يكشف عن تصدعات عميقة في المؤسسة العسكرية، التي تُعتبر عمود السلطة في الجزائر. يمتلك الجنرال ملفات حساسة عن فساد يمس مقربين من الرئيس تبون، بالإضافة إلى تفاصيل عن عمليات قمعية وانتهاكات حقوقية. مراقبون يرون أن فراره لم يكن ممكنًا دون تواطؤ داخلي، مما يشير إلى انقسام بين تيارين: أحدهما موالٍ لتبون، والآخر يدين بالولاء لشخصيات نافذة مثل الجنرال سعيد شنقريحة، رئيس الأركان الحالي.
في منصات التواصل الاجتماعي، تتداول شائعات عن “مجموعة عبد القادر حداد” داخل الجيش، تخطط لانقلاب ضد القيادة الحالية، مما دفع إلى اعتقال ضباط كبار. “الجزائر على صفيح ساخن”، كما وصفها ناشطون، مع مخاوف من أن يلجأ الهارب إلى تسريب معلومات لجهات أجنبية مقابل لجوء سياسي، مما قد يهز أركان النظام. بعض التحليلات تربط الإقالة الأولى لحداد بضغوط فرنسية، مرتبطة باعتقال الكاتب بوعلام صنصال، الذي أثار توترات دبلوماسية.
صمت رسمي وغضب شعبي
لم تصدر الحكومة الجزائرية أي بيان رسمي حتى الآن، مما يعزز الشكوك حول مدى السيطرة على الوضع. أما في الشارع، فالسكان يتساءلون: “من يهرب من من؟”، مشيرين إلى تاريخ الجيش في قمع الاحتجاجات مثل “الحراك” في 2019. محللون يحذرون من أن هذا الفرار قد يكون شرارة لأزمة أكبر، خاصة مع الاقتصاد المتعثر والتوترات الإقليمية مع المغرب.
يبدو أن الجزائر تقف على شفا حفرة، حيث يهدد فرار “ناصر الجن” بكشف أسرار قد تغير مسار البلاد. هل سينجح النظام في احتواء الأزمة، أم أن انقلابًا عسكريًا مرتقبًا على الأبواب؟ الإجابة تكمن في الأيام القادمة، لكن الاستنفار يشهد بأن الصفحة الساخنة لم تنتهِ بعد.



