عين الحدث الإفريقي: المغرب بين ترسيخ السيادة وبناء تنمية شاملة

في ظل تسارع الأحداث وتعدد واجهات الحراك الوطني، يتجدد المشهد المغربي بإشارات قوية تعكس صلابة اختياراته السياسية، ونجاعة مساراته الاقتصادية والاجتماعية، ضمن رؤية متكاملة تسير بثبات نحو تثبيت موقع المغرب كقوة إقليمية وفاعل دولي وازن.
ففي البعد السيادي، تتوالى المواقف الدولية المؤيدة للمقترح المغربي للحكم الذاتي، حيث جاء الموقف الداعم من البرتغال ليؤكد مجدداً رسوخ القناعة الدولية بعدالة القضية الوطنية، ويعزز مسار الاعتراف بمغربية الصحراء كحل جاد وواقعي يحظى بتوافق متنامٍ. وهو نفس المنحى الذي عكسته زيارة وزير الخارجية إلى مقدونيا الشمالية، حيث تكرس المغرب كقوة توازن واستقرار في الفضاء الأورومتوسطي والإفريقي.
وفي عمق الإصلاحات المؤسسية، يمضي المغرب في إعادة هيكلة مهن العدالة، من خلال مصادقة البرلمان على قانون جديد ينظم مهنة الترجمة المحلفة، في خطوة تندرج ضمن ورش تحديث المنظومة القضائية وتعزيز كفاءتها لخدمة العدالة والمواطنين.
أما على مستوى البنية التحتية، فيتواصل بناء اقتصاد لوجيستي متطور، مع افتتاح مركز حديث لمعالجة الأمتعة، وتقدم أشغال منطقة أولاد صالح اللوجيستيكية، بما يعكس الإرادة الراسخة لتقوية سلاسل التوريد، وتحسين الخدمات، وضبط كلفة الاستهلاك، في مواجهة تقلبات السوق.
وفي قلب التحدي البيئي، يبرز مشروع محطة تحلية مياه البحر باشتوكة أيت باها كخطوة استراتيجية لتأمين الأمن المائي، وتدبير موارد المياه في ظل التغيرات المناخية، فيما يُواصل المغرب إشعاعه الإنساني من خلال دعم وكالة بيت مال القدس لمرضى غزة، في تعبير ملموس عن التزام المملكة الثابت بالقضايا العادلة للشعوب.
لكن رغم هذه المؤشرات الإيجابية، لا تغيب التحديات الداخلية، حيث تُظهر بيانات التضخم ارتفاعاً في أسعار المواد الغذائية خلال يونيو، ما يستدعي توازناً دقيقاً في السياسات الاقتصادية، يحفظ القدرة الشرائية دون المساس باستقرار المؤشرات الكبرى.
في المقابل، تعزز الحكومة توجهها نحو ترشيد الإنفاق، من خلال الإعداد المبكر لمشروع قانون مالية 2026، وإطلاق منصة وطنية لتدبير الأدوية بهدف تقليص الهدر، وضمان انتظام التزود بالمواد الحيوية. هذا التوجه يعكس حرص الدولة على المزاوجة بين النجاعة المالية والاستجابة الاجتماعية.
الوجه الاجتماعي للتنمية لم يُهمل، بل تعززه مبادرات التنمية البشرية التي تمول مشاريع تعاونية لفائدة الشباب والنساء، في وقت تتطور فيه سياسات رعاية المسنين، وتُعطى الأولوية للعدالة المجالية، خاصة في العالم القروي، من خلال برامج الفلاحة التضامنية المدعومة دولياً.
ثقافياً، واصل المغرب ترسيخ هويته اللامادية، باختتام مهرجان أحيدوس الوطني، في احتفاء بالتراث الأمازيغي، بينما حملت جدارية جامعة القرويين إلى أمريكا اللاتينية رسالة حضارية مغربية جامعة، تؤكد الامتداد الثقافي والدبلوماسي للمملكة عبر العالم.
أما في ميدان التخطيط، فتسير المندوبية السامية نحو تطوير منظومة قياس سوق الشغل، بما يواكب التحولات التكنولوجية والديمغرافية، ويضع البلاد في موقع الاستباق لما تفرضه تحديات الغد من هجرة وذكاء اصطناعي واقتصاد أخضر.
هكذا يبرز المغرب كبلد يشتغل بهدوء واستراتيجية، على توازن دقيق بين قضايا السيادة، وإكراهات الداخل، وطموحات التنمية، مدعوماً بتوجيه ملكي يعلي من قيمة الفعل الميداني، ويؤمن بأن النهضة ليست شعاراً، بل مساراً طويل النفس، عنوانه الإصلاح، وهدفه كرامة المواطن.



