أخبارالرئيسيةفي الصميمقضاء وقانون

من أجل العدالة القريبة والناجعة..دعوة إلى إحداث محكمة الاستئناف بمدينة سلا

بقلم: الأستاذ زهير أصدور – المحامي بهيئة الرباط

تُعد محكمة الاستئناف ركيزة أساسية في البنية القضائية، وركنًا من أركان دولة القانون، فهي محكمة الدرجة الثانية التي تمثل الضمانة الكبرى لمراقبة سلامة الأحكام الصادرة عن المحاكم الابتدائية. ومن هذا المنطلق، فإن التفكير في توسيع خريطة محاكم الاستئناف بالمغرب لم يعد ترفًا إداريًا، بل أصبح ضرورة حقوقية وتنموية ملحّة، وفي مقدمة المدن التي تستحق هذا الورش المؤسساتي مدينة سلا.

تشير معطيات الإحصاء العام للسكان لسنة 2024 إلى أن عدد سكان عمالة سلا بلغ 1,089,554 نسمة، لتصبح بذلك ثاني أكبر مدينة في المغرب بعد الدار البيضاء من حيث الكثافة السكانية.
ورغم هذا الثقل الديمغرافي والاجتماعي، تظل سلا تابعة قضائيًا لمحكمة الاستئناف بالرباط، في وقت لم يعد فيه من المقبول أن تستمر مدينة بهذا الحجم وبهذا النشاط القضائي والمهني بدون مؤسستها الاستئنافية الخاصة.
فهل يُعقل أن تبقى مدينة سلا، بتاريخها العريق، وبموقعها الاستراتيجي، وبتوسعها العمراني والسكاني، رهينة التبعية الإدارية للرباط في معظم المرافق؟
ألا يشكل ذلك تناقضًا مع مبادئ العدالة المجالية التي ما فتئت الخطابات الملكية والتقارير الوطنية تدعو إلى ترسيخها؟

ومن المعطيات الداعمة لهذا المقترح، أن عدد المحامين الممارسين في الدائرة الممتدة بين سلا وتيفلت والخميسات يفوق 700 محامٍ ومحامية، وهو رقم مهم يعكس الكثافة المهنية الكفيلة بإحداث دينامية قضائية متكاملة داخل المدينة.
بل إن قانون مهنة المحاماة نفسه، في مادته 83، يقر بوضوح أنه يمكن إحداث هيئة للمحامين لدى محكمة استئناف إذا بلغ عدد المحامين المستقرين بدائرتها مائة على الأقل.
وهذا الشرط متحقق منذ زمن في سلا الكبرى، مما يجعل مطلب إنشاء محكمة استئناف ليس فقط مشروعًا، بل منسجمًا مع مقتضيات القانون ذاته.

من الزاوية الحقوقية، فإن تقريب القضاء من المواطنين يشكل أحد أهم مؤشرات العدالة الناجعة.
فالتنقل اليومي بين سلا والرباط لمتابعة القضايا، سواء من طرف المتقاضين أو المحامين أو الكتاب ، يُثقل الكاهل المادي والزمني، ويؤدي إلى ازدحام الطرق وإرهاق الأسر.
وجود محكمة استئناف بمدينة سلا سيُخفف الضغط على محاكم الرباط، ويُقوي البنية القضائية الجهوية، ويُساهم في تحقيق مبدأ الحق في الولوج السلس إلى العدالة المنصوص عليه في المواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب.

تتوفر مدينة سلا على وعاء عقاري كافٍ لإقامة بناية تليق بمقام العدالة، كما أن بنيتها التحتية والإدارية مؤهلة لاستقبال هذه المؤسسة الحيوية.
وبالنظر إلى ارتباطها الوثيق بالعاصمة الإدارية، فإن وجود محكمة استئناف بها لن يخلق ازدواجية، بل سيُكرس التكامل والتوزيع العقلاني للمهام والملفات.

نداء إلى وزارة العدل:
من منطلق الإيمان بجدوى إصلاح منظومة العدالة وتوسيع دائرتها الترابية، فإننا ندعو وزارة العدل إلى التعجيل بإدراج مشروع محكمة الاستئناف بسلا ضمن أولوياتها الاستراتيجية القادمة، انسجامًا مع مبادئ الإنصاف المجالي، وتفعيلاً لمقاربة العدالة القريبة من المواطن.
فإحداث هذه المحكمة لن يكون مجرد توسع إداري، بل خطوة في اتجاه عدالة متوازنة تُحترم فيها كرامة المواطن وحقه في التقاضي القريب والفعال.

خلاصة القول، العدالة لا تتحقق فقط بنصوص القانون، بل بوجود مؤسسات قريبة من الناس.
وسلا اليوم، بكل مقوماتها، تستحق أن تكون مدينة استئنافية بامتياز

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button