التنافي بين الوظيفة الحكومية ورئاسة الجماعة.. ثغرة قانونية تستوجب التعديل

يُعدّ مبدأ التنافي إحدى الآليات الجوهرية لترسيخ الحكامة الجيدة وضمان عقلنة تدبير الشأن العام. فالتنافي لا يهدف فقط إلى منع تضارب المصالح، بل يكرّس أيضًا مبدأ التفرغ ويمنع تشتت المهام وتداخل الصلاحيات، مما يتيح للمنتخب أو المسؤول الحكومي القيام بمهامه على الوجه الأكمل.
غير أن القراءة المتأنية للمادة 32 من القانون التنظيمي رقم 065.13 المتعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة والوضع القانوني لأعضائها، تكشف عن ثغرة قانونية واضحة تسمح بالجمع بين رئاسة جماعة محلية والعضوية في الحكومة، في الوقت الذي تمنع فيه الجمع بين الوزارة ورئاسة جهة أو مع عضوية البرلمان.

محامية ونائبه برلمانية سابقة
قراءة في المادة 32 من القانون التنظيمي 065.13
تنص المادة 32 على حالات التنافي التي تحول دون الجمع بين المسؤولية الحكومية ومهام أخرى، حيث اعتبرت أن:
-العضوية في أحد مجلسي البرلمان،
-ورئاسة مجلس جهة،
-ورئاسة أكثر من غرفة مهنية أو أكثر من مجلس جماعة أو مجلس عمالة أو إقليم أو مجلس مقاطعة أو مجموعة ترابية، كلها حالات تدخل ضمن نطاق التنافي.
لكن هذه الصياغة التي أُدرجت سنة 2013 جاءت “على المقاس”، إذ سمحت لعدد من الوزراء آنذاك بالجمع بين المسؤولية الحكومية ورئاسة مجالس جماعات، مكتفية بعتبة شكلية تتمثل في منع الجمع بين أكثر من رئاسة واحدة، بدل أن تُدرج رئاسة الجماعة ضمن حالات التنافي المطلقة.
التعارض مع الدستور ومنطق الحكامة
هذا المقتضى يتعارض صراحة مع:
-الفصل 36 من الدستور الذي يحظر تضارب المصالح ويُلزم المسؤولين باحترام قواعد النزاهة والشفافية.
-الفصل 154 من الدستور الذي يؤكد أن المرافق العمومية يجب أن تسير وفق مبادئ المساواة والإنصاف والجودة، وهو ما يستحيل ضمانه مع تعدد المسؤوليات وتشتت الجهود.
كما أن المنطق الدستوري الذي منع الجمع بين الوزارة ورئاسة الجهة، يقتضي بالضرورة تعميم المنع على رئاسة الجماعة، باعتبار أن هذه الأخيرة تضطلع باختصاصات متشعبة (تدبير المرافق، التعمير، الخدمات المحلية، التفاعل مع الساكنة والإدارة الترابية…)، تتطلب التفرغ الكامل.
الأبعاد العملية للازدواجية
الجمع بين الوزارة ورئاسة جماعة يطرح إشكالا على مستوى:
-المهام الحكومية: الحضور في مجلس الحكومة الأسبوعي، المشاركة في مناقشة مشاريع القوانين داخل البرلمان، تقديم أجوبة الحكومة على أسئلة النواب والمستشارين، حضور اجتماعات اللجان البرلمانية، وتتبع تنفيذ السياسة الحكومية.
-المهام الجماعية: التدبير اليومي للشأن المحلي، حضور الدورات العادية والاستثنائية، التواصل مع الساكنة والسلطات المحلية، وتتبع الأوراش التنموية.
هذه الازدواجية تؤدي إلى ارتباك مؤسسي، وإلى إخلال بانتظارات المواطنين الذين يجدون أنفسهم أمام مسؤول غائب جزئياً عن موقع القرار المحلي بحكم التزاماته الوطنية، أو متأخر عن مهامه الحكومية بسبب انشغاله اليومي بالجماعة.
المقارنة مع التجارب الدولية
في العديد من الدول الديمقراطية، يمنع القانون بشكل صارم الجمع بين المسؤوليات التنفيذية الوطنية (الحكومة) والمسؤوليات المحلية المنتخبة (رئاسة البلديات أو المجالس). ويعود ذلك إلى قناعة راسخة بأن الجمع يؤدي إلى إضعاف الفعالية وضياع الزمن الإداري.
ختاما فإن الإبقاء على الصياغة الحالية للمادة 32 يشكل ثغرة قانونية تفرغ مبدأ التنافي من محتواه. لذلك فإن تعديل هذه المادة أصبح ضرورة ملحّة لإدراج رئاسة مجالس الجماعات ضمن حالات التنافي مع المسؤولية الحكومية، على غرار ما هو معمول به بالنسبة لرئاسة الجهات والعضوية في البرلمان.
فالمغرب لا يفتقر إلى الكفاءات ولا إلى “رجال المرحلة”، وإنما يحتاج إلى عقلنة توزيع المسؤوليات وتحصين المرفق العمومي من تشتت المهام وتداخل الصلاحيات. إن التفرغ هو شرط النجاح، ومبدأ التنافي ليس ترفاً قانونياً، بل ضمانة أساسية لنجاعة المؤسسات وتحقيق انتظارات المواطنين.



