أخبارالرئيسيةفي الصميم

الحقوقي زهير أصدور..معارضة بلا أنياب..ماجدوى بقاءها في البرلمان؟!

في الأنظمة الديمقراطية الراسخة، لا تُقاس قوة المؤسسات فقط بعدد القوانين التي تُصادق عليها، بل بمدى فعالية التوازن بين السلط، وخاصة بدور المعارضة التي تُعدّ حجر الأساس في أي تجربة ديمقراطية حقيقية.

فهي العين التي تراقب، والضمير الذي يُنذر، والصوت الذي يعبر عمّا قد تغفله السلطة التنفيذية أو تتعمد تجاهله.

غير أن ما نعيشه اليوم في المشهد البرلماني المغربي لا يمتّ بصلة لهذا النموذج المتوازن. فقد أفرزت الانتخابات الأخيرة أغلبية عددية مريحة قلّ نظيرها، وأحدثت خللاً بنيوياً في التوازن السياسي، حيث أصبحت المعارضة البرلمانية في موقع هشّ، محدود الأثر، وغير قادرة فعلياً على القيام بأدوارها الرقابية والتشريعية كما نص عليها الدستور.

كيف يُعقل أن نُحمّل مسؤولية معارضة سياسات حكومة كاملة، لفريق لا يتجاوز 65 نائباً من أصل 395؟ كيف يمكن أن تُمارس الرقابة البرلمانية أو تُحدث التوازنات الضرورية في ظل هذه التركيبة المختلّة؟ أصبح من الواضح أن الكتلة النيابية الصغيرة، مهما بلغت من الكفاءة أو النية، لا تملك الأدوات ولا التأثير اللازم للتصدي لجرافة الأغلبية، التي تمرر كل ما تشاء تحت غطاء “الشرعية الانتخابية” دون أدنى اعتبار لرأي الأقلية أو المصلحة الوطنية العليا.

ويزيد الطين بلة انسحاب حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، فعلياً، من ممارسة أي دور جاد في المعارضة.

هذا الحزب العريق، الذي كان في ما مضى صوتاً صلباً للحركات التقدمية وممثلاً قوياً لطموحات فئات واسعة من الشعب، تراجع اليوم إلى موقع المتفرّج، مكتفياً بحضور رمزي لا يُقنع قواعده ولا يحترم تاريخه.

هذا التراجع عزّز عزلة المعارضة، وأفرغ العمل البرلماني من أي جدل سياسي حقيقي أو مناظرة فكرية منتجة.

في هذا السياق، فقدت المعارضة البرلمانية مبرر وجودها داخل مؤسسة أصبحت تُدار بمنطق التحكم العددي، لا الحوار الديمقراطي.

فالحديث عن “الديمقراطية التشاركية” و”الإنصات للمعارضة” و”التعددية السياسية” لم يعد سوى واجهة لغوية تُستخدم في البلاغات الرسمية، بينما الواقع يكشف برلماناً منزوع الأنياب، غائب التأثير، وعاجز حتى عن كسب معركة إعلامية أو تعديل فقرة في مشروع قانون.

وإزاء هذا الوضع المختل، لا بد من طرح سؤال جوهري ومشروع: ما جدوى بقاء المعارضة داخل البرلمان؟ أليس الأجدر بها أن تُعيد التفكير في تموقعها؟ أن تخرج من قبة فقدت معناها السياسي، وتلتحم من جديد بالشارع، بالجماهير، بالهموم اليومية للمواطنين؟ أليس من واجبها اليوم أن تنتقل من منطق المشاركة الشكلية، إلى منطق الفعل السياسي الحقيقي، من خارج المؤسسات، عبر التنظيمات، والنضال المجتمعي، والتحرك الميداني؟لا يمكن للمعارضة أن تبقى رهينة لمعادلة مختلّة إلى ما لا نهاية.

فالبقاء داخل مؤسسة لم تعد تُعير لها وزناً، هو مساهمة صامتة في تكريس الرداءة، وتطبيعٌ مع هيمنة الصوت الواحد.

والمعارضة، إذا كانت عاجزة عن أداء مهامها الدستورية والرقابية، فالأجدر بها أن تنسحب بشرف، وتختار جبهة نضال أكثر نجاعة، حيث يُمكن لرسالتها أن تصل، وأن تُحدث الفرق.

إنها لحظة فاصلة في تاريخ العمل السياسي المغربي، لحظة يجب أن تتسم بالشجاعة في اتخاذ المواقف، وبالوضوح في الرؤية، وبالإرادة في بناء توازن جديد من خارج النظام المؤسساتي الذي اختلّت قواعده.

فالمعارضة ليست فقط موقعاً داخل البرلمان، بل دور تاريخي ومسؤولية وطنية، حين يُخفق الجميع.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button