
بقلم: زهير أصدور_عضو المكتب السياسي لحزب الحركة الشعبية
ليس من المبالغة القول إن القرار الأممي الأخير بشأن قضية الصحراء المغربية يمثل نقطة تحول مفصلية في تاريخ النزاع المفتعل حول وحدتنا الترابية.
فبعد نصف قرن من المناورات والتشويش، جاء هذا القرار ليكرس واقعية المقاربة المغربية ويمنحها الشرعية الدولية المستحقة، مُقراً بأن مبادرة الحكم الذاتي في إطار السيادة الوطنية هي الحل السياسي الوحيد القابل للتطبيق.
منذ اعتلاء جلالة الملك محمد السادس نصره الله العرش، اختار المغرب أن يبني دبلوماسيته على الثقة في النفس، والوضوح في الموقف، والاستباق في الرؤية.
لم يكن الطريق سهلاً، لكنّ الدبلوماسية الملكية استطاعت، بثباتها واتزانها، أن تنقل ملف الصحراء من خانة النزاع إلى خانة الاعتراف الدولي بالحل المغربي. إنها دبلوماسية الحكمة الهادئة التي تشتغل على المدى البعيد، وترتكز على شرعية التاريخ والمشروعية القانونية وعدالة القضية.
اليوم، ونحن نعيش هذه اللحظة التاريخية، ندرك أن المعركة لم تعد فقط على مستوى القرار الأممي، بل على مستوى ترجمة هذا المكسب إلى دينامية داخلية متكاملة.
فالمرحلة تقتضي تعبئة وطنية متجددة تشمل كل مكونات المجتمع — أحزاباً، وبرلماناً، ونقابات، ومجتمعاً مدنياً، وقطاعاً خاصاً — من أجل تفعيل الدبلوماسية الموازية وتعزيز حضور المغرب في كل المحافل الدولية، دفاعاً عن مكتسباته ومصالحه العليا.لقد جاء هذا القرار ليؤكد بالملموس أن المقاربة المغربية ليست مجرد مشروع سياسي، بل رؤية متكاملة للتنمية والوحدة والاندماج الترابي.
فالنموذج التنموي بالأقاليم الجنوبية لم يعد ورقة دعائية، بل تجربة ميدانية ناجحة تعكس التفاعل بين الجهوية المتقدمة والرؤية الاستراتيجية للملك في جعل الصحراء المغربية قطباً تنموياً إفريقياً وأطلسياً.
لكنّ هذا الانتصار لا يجب أن يجعلنا نغفل أن خصومنا لن يستسلموا بسهولة، وأن رهان المرحلة المقبلة هو تحصين المكتسب الدبلوماسي بالعمق التنموي والسياسي والمؤسساتي.
فكل تأخير في تنزيل الجهوية الموسعة أو في إشراك الساكنة في صناعة القرار المحلي هو فرصة يقتنصها خصوم الوحدة لإحياء أوهام الماضي.كما أن هذا القرار يحمل في طياته رسالة إلى أشقائنا في الجزائر: أن زمن الإصرار على الخلافات قد ولى، وأن مستقبل المنطقة المغاربية لن يُبنى إلا على التعاون والتكامل.
فالمغرب، بثقة وهدوء، يمد اليد إلى الجميع، من بوابة مشروع المغرب الأطلسي وأفريقيا الوحدة والتنمية، الذي يرسم معالم شراكة استراتيجية بين الشمال والجنوب، وبين القارة والعالم.
إنه انتصار للدبلوماسية المغربية، نعم، لكنه قبل كل شيء انتصار لفلسفة الدولة المغربية الحديثة: دولة توازن بين الثوابت والانفتاح، وتُدير خلافاتها بالحنكة لا بالصخب، وتبني تحالفاتها على المصداقية لا على المزايدات.
ومن هذا المنطلق، نعتبر في حزب الحركة الشعبية أن مسؤوليتنا الوطنية تفرض علينا أن نكون في صلب هذا التحول، حاملين لرسالة الوحدة، مدافعين عن المشروع الملكي في التنمية والجهوية، ومؤمنين بأن الدفاع عن الصحراء المغربية لا يكون فقط بالشعارات، بل ببناء مغرب المؤسسات والعدالة والمواطنة المتكافئة.



