بنسعيد يتمسك بالاقتراع الفردي في انتخابات المجلس الوطني للصحافة رغم انتقادات المعارضة

وسط نقاش محتدم يكشف عن تباين في الرؤى بين الحكومة والمعارضة عادت مسألة طريقة انتخاب أعضاء المجلس الوطني للصحافة لتتصدر واجهة الجدل السياسي والمهني بالمغرب. ففي وقت تعتبر فيه الحكومة أن اعتماد الاقتراع الفردي هو الخيار الأمثل لترسيخ المسؤولية والشفافية،ترى أطراف في المعارضة أن هذا النمط يهدد بتقليص التمثيلية والتنوع داخل هذه المؤسسة الحيوية.ومع اقتراب الاستحقاقات المهنية المقبلة،يكتسي هذا النقاش طابعا خاصا،لكونه يمس جوهر استقلالية الجسم الصحفي ودوره في تكريس التعددية وحماية حرية التعبير.
في هذا السياق رفض المهدي بنسعيد،وزير الثقافة والشباب والتواصل،بشكل صريح وقاطع مقترحات التعديل التي تقدمت بها فرق المعارضة والمجموعة النيابية بمجلس النواب بخصوص طريقة انتخاب أعضاء المجلس الوطني للصحافة. وتمسك الوزير بالنص الأصلي الوارد في مشروع القانون رقم 26.25، الذي ينص على اعتماد نمط الاقتراع الفردي السري بالأغلبية النسبية وفي دورة واحدة.
وخلال اجتماع لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب الذي انعقد مساء الإثنين، برر بنسعيد هذا الاختيار بكون الاقتراع الفردي «يكرس مبدأ الاختيار الحر ويحمل كل مرشح المسؤولية أمام الناخبين»، معتبرا أن هذا النمط ينسجم بشكل أفضل مع فلسفة المرفق العمومي وروح المسؤولية الفردية التي يجب أن تطبع عمل أعضاء المجلس الوطني للصحافة.
في المقابل، شددت فرق المعارضة على أهمية اعتماد نمط الاقتراع باللائحة، بهدف توسيع القاعدة التمثيلية داخل المجلس وضمان حضور مختلف الحساسيات والتيارات المهنية. وتؤكد المعارضة أن هذا النظام يعزز التعددية ويجنب هيمنة مرشحين مدعومين من تيارات قوية أو مصالح معينة،ما يضمن تمثيلا أكثر توازنا واستقلالية داخل المجلس.
ويشار إلى أن هذا النقاش لا يقتصر فقط على الجانب التقني المرتبط بنمط الاقتراع، بل يعكس أيضا جدلا أعمق حول طبيعة المجلس الوطني للصحافة باعتباره هيئة مستقلة لتقنين المهنة وتنظيمها،ومدى استقلاليته عن السلطة التنفيذية أو التأثيرات السياسية والاقتصادية. إذ يرى مراقبون أن طريقة انتخاب أعضائه ستحدد عمليا مدى فعاليته في الدفاع عن حرية التعبير وترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة.
وفي خلفية هذا النقاش،يطرح سؤال جوهري حول النموذج الأمثل لتسيير المؤسسات المهنية في المغرب: هل الأولوية لتعزيز المسؤولية الفردية والمساءلة المباشرة؟ أم لتقوية التمثيلية الجماعية عبر لوائح تضمن التعددية وحماية التنوع المهني؟
وبين هذين الخيارين،تتمسك الحكومة بموقفها القائل إن الاقتراع الفردي هو الأكثر انسجاما مع مبادئ الشفافية والحكامة الجيدة، فيما تؤكد المعارضة أن نمط اللائحة ضروري لتحقيق تمثيل عادل ومتوازن يضمن استقلالية المجلس الوطني للصحافة ويعكس التنوع الحقيقي للجسم الصحفي المغربي.

إن النقاش الدائر حول نمط الاقتراع في انتخابات المجلس الوطني للصحافة لا يعبر فقط عن خلاف تقني بين الحكومة والمعارضة، بل يعكس في جوهره رهانات أعمق تتعلق بإصلاح قطاع الإعلام في المغرب. فهذا القطاع يقف اليوم أمام تحديات كبيرة من بينها تعزيز استقلالية الهيئات التنظيمية،وضمان تعددية الأصوات وتحصين حرية التعبير في سياق إعلامي متحول.وفي هذا الإطار سيظل نجاح المجلس الوطني للصحافة مرهونا بقدرته على تمثيل مختلف مكونات الجسم الصحفي بشكل متوازن،بعيدا عن منطق الإقصاء أو الهيمنة،بما يخدم في النهاية المصلحة العامة ويقوي ثقة المجتمع في مؤسساته الإعلامية.



