Hot eventsأخبارأخبار سريعةفي الصميم

المشهد السياسي المغربي بعد خطاب العرش.. دينامية متجددة وصراعات مبكرة

عبداللطيف زكي

منذ الخطاب الملكي الأخير، دخل المشهد السياسي المغربي مرحلة جديدة من الحركية والغليان المبكر وكأن البلاد تخوض حملة انتخابية قبل موعدها. كل حزب يريد أن يظهر نفسه كمنفذ مباشر لرؤية الملك، وكل تحرك سياسي يتحول إلى فرصة لتسجيل نقاط على المنافسين، سواء كانوا خصوماً أو حتى حلفاء. حيث تسابق الفاعلون السياسيون إلى تبني مضامين الخطاب وإبراز التزامهم بتنزيله. غير أن هذا التنافس سرعان ما كشف عن خطوط تماس وصراع، ليس فقط بين الأغلبية والمعارضة، بل حتى بين الحلفاء في الحكومة نفسها.

  1. الأغلبية الحكومية: بين التنافس والتباين وسباق نحو التميز
  • الحكومة الحالية تظهر وكأنها في سباق مع نفسها:
  • التجمع الوطني للأحرار، قائد الائتلاف، ركز على عرض منجزاته في ورش الحماية الاجتماعية، خصوصاً تعميم التأمين الصحي، محاولاً تصوير نفسه كالحزب الأقرب للتنفيذ المباشر والفعلي للرؤية وللتوجيهات الملكية.
  • حزب الاستقلال اختار خطاباً اجتماعياً موجهاً للفئات المتوسطة والهشة، مركزاً على مسألة التشغيل وتحسين الدخل ويلعب ورقة التمايز الاجتماعي، مستهدفاً الفئات الوسطى والهشة، في محاولة لإعادة بناء صورة الحزب الحامي لقضايا المواطن اليومي.
  • الأصالة والمعاصرة، من جانبه، حاول إبراز مسافة نقدية من بعض اختيارات الحكومة، لتفادي الذوبان في صورة الحزب القائد وهو بذلك يتحرك على الخط الحدودي بين النقد والتحالف، محاولاً إبراز مسافة عن قيادة الحكومة ما يعكس توتراً كامناً داخل الأغلبية نفسها وما أعاد إلى السطح توتراً مكتوماً بينه وبين الأحرار.

هذه الدينامية جعلت من الساحة السياسية وكأنها في حملة انتخابية مبكرة، رغم أن الاستحقاقات المقبلة لا تزال بعيدة.

  1. المعارضة التقليدية: من الرصيد السابق إلى التحدي الراهن

الأحزاب المعارضة، وعلى رأسها العدالة والتنمية، لم تفوت الفرصة لخطاب دفاعي-هجومي في الآن ذات لتأكيد أن عدداً من الإصلاحات التي يوصي بها الخطاب الملكي (الحماية الاجتماعية، إصلاح الاستثمار…) تعود في الأصل إلى مشاريع أطلقتها حكوماتها السابقة.
وهو ، يرمي إلى استعادة جزء من الشرعية السياسية التي فقدها الحزب بعد هزيمة 2021 ونقد أحيانا ضمني وأحيانا صريحا للأداء الحالي للأغلبية.

الاتحاد الاشتراكي: إشادة وتأكيد على الإصلاح الانتخابي
حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية رحب بمضامين خطاب العرش الأخير، مشيدًا برؤية الملك محمد السادس في تعزيز التنمية والتوازن المجالي. كما أكد الحزب على ضرورة إصلاح المنظومة الانتخابية، داعيًا إلى حوار سياسي شامل يفضي إلى نظام انتخابي أكثر تمثيلية وفعالية. وقد عبر عن دعمه الكامل للمشاورات التي أطلقتها وزارة الداخلية في هذا السياق، مشددًا على أهمية ضمان نزاهة العمليات الانتخابية.

التقدم والاشتراكية: دعم للتوجيهات الملكية وتأكيد على الإصلاحات
من جهته، أشاد حزب التقدم والاشتراكية بمضامين خطاب العرش، مؤكدًا انخراطه التام في التوجيهات الملكية المتعلقة بالتنمية والتراب الوطني. كما دعا الحزب إلى ضرورة اعتماد منظومة انتخابية جديدة قبل نهاية سنة 2025، مؤكدًا على أهمية الإصلاحات السياسية لضمان تمثيلية حقيقية وفعالة.

  1. اليسار الراديكالي: تشكيك في الشروط البنيوية والأرضية السياسية

أما أحزاب اليسار الراديكالي، مثل النهج الديمقراطي العمالي وبعض مكونات فيدرالية اليسار الديمقراطي، فقد تفاعلت مع الخطاب الملكي بقراءة مختلفة أكثر واقعية وربما أكثر حدة: معتبرة أن مطالب الملك مشروعة، لكن تنفيذها مستحيل دون إصلاحات بنيوية وفي ظل غياب شروط مادية وسياسية واضحة، من قبيل:

  • مراجعة قوانين الانتخاب التي توصفب، حسب رؤيتهم، بأنها غير عادلة إذ لا تسمح بتوزيع السلطة أو المنافسة بشكل عادل وأنها تعيد إنتاج نفس الخريطة الحزبية.
  • ضمان توزيع منصف وشفاف للتمويل العمومي بين الأحزاب بما يسمح بتنافس حقيقي.
  • توفير نزاهة وشفافية كاملة في العمليات الانتخابية،
  • قوانين الانتخاب
  • التمويل العمومي للأحزاب غير شفاف، ما يجعل قدرة الفاعلين السياسيين على المنافسة محدودة.
    نزاهة الانتخابات التي لا تزال برأيهم، محل شك، مما يضع أي ورش إصلاحي تحت رحمة الاختيارات المؤسسية الضيقة باعتبارها المدخل لأي إصلاح جدي.

هذا الموقف يضع اليسار الراديكالي في موقع نقدي مزدوج: من جهة يثمن المطالب الكبرى، ومن جهة أخرى يشكك في إمكانية تنفيذها ما لم تتغير الشروط المؤطرة للعمل السياسي.

  1. حدود الاختلاف وصعوبة الإقناع

رغم هذا الحراك، يظل الخلاف بين الفرقاء السياسيين محدوداً بحدود الدستور والتوجيهات الملكية. وهو ما يجعل مساحات الاختلاف أقرب إلى تنافس على الصورة والشرعية أكثر منها اختلافاً في الرؤى والبرامج. المواطن العادي، في المقابل، يتابع المشهد بكثير من التوجس، مترقباً النتائج العملية على مستوى معيشه اليومي، لا الخطابات المتبادلة.

وبالتالي إن يثير قلق الملاحظين السياسيين هو أن هذا التنافس المبكر، على الرغم من حدوده الدستورية، قد يفقد المواطن الثقة في السياسة إذا تحول إلى مجرد سباق شعارات دون ترجمة فعلية على الأرض. فغالبا ما يرى المواطنزأن الدينامية في الخطاب تبدو أكبر بكثير من قدرتها على تحويل الرؤية الملكية إلى برامج ملموسة.

المشهد السياسي المغربي بعد خطاب العرش يكشف عن مفارقة واضحة: دينامية في الخطاب مقابل بطء أو ربما عجز على إنجاز الأفعال. وبينما تتسابق الأحزاب لإبراز تقاطعها مع التوجيهات الملكية يبقى التحدي الحقيقي ليس في من يتحدث أكثر أو أسرع، بل في من يستطيع أن يترجم الخطاب إلى واقع مما قد يتطلب أكثر ما يروج له من الإعتماد على الخبرات إذ لم تكن الخبرة مصاحبة لتجربة سياسية وقناعات بل ومصداقية إيديولوجية وأخلاقية فقد يكون مفعولها عكس ما ينتظر منها.

وإذا لم تُعالج الاختلالات البنيوية التي يشير إليها اليسار الراديكالي والتحذير من أن الطريق إلى الإصلاح يمر أولاً عبر إصلاح قواعد اللعبة السياسية نفسها فإن هذا السباق المبكر لن يكون أكثر من إعادة إنتاج للمشهد السياسي ذاته ويفاقم من أزمة الثقة بين المواطن والسياسة.بما يعزز عزوف المواطن ويقلص الأمل في الإصلاح بل ويجهض التوقعات الملكية الصريحة بإصلاحات ملموسة.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button