Hot eventsأخبارأخبار سريعةعين العقل

حين يعكر الماء صيدُ الطامعين… ويبقى للوطن قلب الطيبين

بقلم: الاستاذ مولاي الحسن بن سيدي علي

كثيرون هم الذين يصطادون في الماء العكر، يجلسون على ضفاف الوطن مترقبين ما تسوقه لهم الأمواج من مصالحٍ ضيقة وفرصٍ آنية، يفرحون بانكسار المراكب الصغيرة التي كانت تحلم بالوصول إلى برّ الأمان، ولا يرون في عكر الماء إلا مرآةً تُخفي وجوههم الحقيقية.
يقضون الساعات في حبك الخيوط، يتقنون لعبة التظاهر بالغيرة على الوطن، بينما هم في حقيقة الأمر يزرعون الفتنة وينشرون الشكّ، يرفعون الشعارات بأصواتٍ عالية ولا يصدقونها في السرّ، ويمتطون موج الغضب الشعبي ليصلوا إلى مآربهم الخاصة.
لقد أصبح هذا الصنف من الناس يتكاثر حين تشتد الأزمات، وحين يعلو صوت الشارع المطالب بالإصلاح والعدالة والكرامة.
يتغذّون على الفوضى كما تتغذى الطفيليات على الجسد المنهك، فيُشوشون الوعي العام، ويُربكون المسار الوطني النبيل الذي يرعاه أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس نصره الله، الساعي دومًا إلى الإصلاح المتدرج، وإلى حفظ الاستقرار وسط أمواجٍ عاتية.
وفي المقابل، هناك القليل، بل القلة النادرة، من أبناء هذا الوطن الذين يسعون إلى الخير بصمتٍ وإخلاص.
هم من يؤثرون على أنفسهم، ويجبرون الخواطر المكسورة، ويعملون الصالحات دون أذى ولا مَنّ، لأنهم يدركون أن الوطنية ليست شعارًا يُرفع، بل سلوكٌ يُمارَس، وأن بناء الوطن لا يكون بالمزايدات، بل بالتفاني في العمل والإيمان بقدرة الإنسان المغربي على النهوض من جديد.
هؤلاء هم الذين ما زالوا يؤمنون بالمغرب كبيتٍ واحدٍ تتقاسم جدرانه كل الفئات، فلا ظلم فيه ولا تهميش، ولا استعلاء فيه للمال أو النفوذ على حساب الكفاءة والضمير.
يؤمنون أن الإصلاح لا يُستورد من الخارج، بل يُزرع في الداخل، في الضمير، في المدرسة، في الشارع، وفي مؤسسات الدولة التي تُبنى بالمصداقية لا بالمحسوبية.
لقد مرّ المغرب في الآونة الأخيرة بمحطاتٍ دقيقة واختباراتٍ كبرى، فبانت معادن الرجال، وتمايزت المواقف بين من رأى في الأزمة فرصة للإثراء، والركوب على الأحداث، ومن رآها نداءً للنهوض بالوطن.
ومهما اشتدت العواصف، يبقى الأمل معقودًا على أولئك الذين لا يصطادون في العكر، بل يغسلون الماء من عكره، ويزرعون النقاء في النفوس، ويعيدون للسياسة معناها النبيل: خدمة الوطن لا خدمة الذات.
فالمغرب لا يعلو بالشعارات المنمّقة، ولا بالمناصب المتوارثة ولا بالكذب والمزايدات، بل بتلك القلوب التي تُحب الخير وتزرع الأمل، وبالعقول التي تؤمن أن نهضة الأوطان تبدأ من نزاهة الضمير قبل أي قرار.
حين تتكاثر الأصوات المزعجة في زمنٍ مضطرب، يظل صوت الخير خافتًا لكنه أنقى، كنسمة الصباح التي تُوقظ فينا إنسانيتنا.
فليكن كلٌّ منّا من تلك القلّة التي تجبر الخواطر، وتُصلح ما أفسده الطامعون… فالأوطان لا تبنى بالعدد، بل بالصدق.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button