تعديل أحكام الشيك بين منطق الإصلاح وتخوفات الإفراغ من المضمون

بقلم: ✍️ زهير أصدور-محام بهيئة الرباط
في خضم الحديث عن إصلاح المنظومة الاقتصادية والتجارية، صادقت الحكومة مؤخرًا على مرسوم يقضي بتعديل بعض أحكام مدونة التجارة المتعلقة بالشيك، في خطوة وُصفت بأنها إصلاح جريء طال انتظاره، لكنها في المقابل أثارت جدلًا واسعًا داخل الأوساط القانونية والاقتصادية، بين من يراها تصحيحًا لمسار زجري مفرط، ومن يعتبرها تفريغًا للشيك من طبيعته كأداة وفاء.
حسب المذكرة التقديمية للمشروع، فإن الهدف الأساسي هو الانتقال من العقوبة إلى التسوية، عبر آليات الإنذار، الأداء، والغرامة المالية بدل السجن، وذلك في أفق تخفيف الضغط على المؤسسات السجنية وتقليص عدد المتابعات في قضايا إصدار الشيكات بدون مؤونة.
فالمشرّع، من خلال هذا التعديل، يسعى إلى استعادة الثقة في الشيك كوسيلة أداء، مع حماية المستفيدين دون اللجوء مباشرة إلى العقوبة الحبسية.
من أبرز المقتضيات الجديدة:
-عدم تحريك المتابعة في حالة الشيكات التي تقل قيمتها عن 20.000 درهم؛-استبدال الاعتقال بـ السوار الإلكتروني في حالات معينة؛-إسقاط المتابعة تلقائيًا في حالة الأداء أو التسوية؛-ومنح أجل إضافي للمستفيد قبل متابعة الساحب جزائيًا.
إصلاحات تُقدَّم باعتبارها نقلة في السياسة الجنائية الاقتصادية، تنسجم مع روح العدالة التصالحية التي باتت معتمدة في عدة مجالات.
رغم ما رُوِّج له من إيجابيات، يرى عدد من المختصين أن المرسوم يشكو هشاشة مفاهيمية وتشريعية.فالمحور الجوهري في الانتقادات ينطلق من سؤال بسيط وعميق:هل الشيك لا يزال أداة وفاء، أم تحول إلى أداة ائتمان وضمان؟المنتقدون يعتبرون أن المشروع لم يحافظ على الطبيعة القانونية للشيك باعتباره معادلًا للنقود، وأن تحديد عتبة 20.000 درهم كفاصل بين ما هو مجرَّم وما هو معفى، يجعل من الشيك أداة مزدوجة الهوية: وفاء للأغنياء، وائتمانًا للفقراء، في مفارقة لا يقرها المنطق التشريعي.
كما أن التعامل المتساهل مع الساحبين قد يؤدي، حسب هؤلاء، إلى زعزعة الثقة في المعاملات التجارية، ويحوّل الشيك إلى مجرد وثيقة دين، يمكن اللجوء بشأنها إلى مسطرة الأمر بالأداء، مما يعني أن الضمانة الجزائية التي كانت تحمي المستفيدين قد تراجعت بشكل واضح.
يُجمع المراقبون على أن النية التشريعية في تخفيف الطابع الزجري مشروعة، لكنهم يحذرون من الآثار العملية غير المحسوبة التي قد ترافق هذا التغيير.فالواقع التجاري المغربي لا يزال قائمًا على الثقة في الشيك كوسيلة فورية للوفاء، وأي غموض في طبيعته القانونية قد ينعكس سلبًا على استقرار المعاملات.
كما أن اختلاف الأثر القانوني باختلاف قيمة الشيك (أقل أو أكثر من 20.000 درهم) يطرح سؤال العدالة والمساواة أمام القانون، إذ قد يُعفي من المتابعة من تسبب في ضرر مالي بسيط، بينما يُتابع آخر على ضرر مماثل يفوق العتبة بدرهم واحد فقط.ما بين منطق الحكومة في إرساء العدالة التصالحية، ومنطق رجال القانون في الحفاظ على الانضباط التشريعي، يبقى التحدي الحقيقي في تحقيق التوازن بين الثقة والمرونة.
فالإصلاح الحقيقي، كما يرى عدد من الباحثين، يجب أن يكون شاملًا، لا يقتصر على التخفيف من العقوبة، بل يمتد إلى إعادة تأهيل نظام الشيكات برمته، وتطوير آليات الرقابة البنكية، والتربية المالية، وتسوية المنازعات التجارية.
المرسوم الجديد حول الشيكات يحمل رغبة إصلاحية واضحة، لكنه يواجه تحديًا بنيويًا في الحفاظ على جوهر الأداة القانونية.
وبين الطموح في التخفيف، والمخاوف من التمييع، يبقى السؤال مفتوحًا:هل سينجح هذا التعديل في إعادة الثقة إلى الشيك، أم أنه سيحوّله إلى ورقة بلا رصيد قانوني ولا رمزي؟



