Hot eventsأخبارأخبار سريعةعين العقل

الفساد الثقافي… حين يُقصى المبدع ويُكرَّم المتسلق

بقلم: مولاي الحسن بنسيدي علي

لم تعد الساحة الثقافية كما كانت يومًا منبرًا للكلمة الحرة ولا مرآةً تعكس نبض الأمة ووجدانها، بل غدت سوقًا مكتظة بالمتسلقين والمنافقين، يتزاحمون على الكراسي والمنصات كما يتزاحم الطفيليون على فتات الموائد.
فحين يُستبدل الجمال بالقبح، ويُقصى الصادق ليُكرَّم المهرّج، يصبح الحديث عن ثقافة حقيقية ضربًا من الخيال أو الحنين إلى زمنٍ كان فيه الفكر رسالة لا مهنة، والإبداع عقيدة لا تجارة.
وحين تُهدر الطاقات وتُهمَّش الكفاءات، ويُفتح الطريق أمام من لا يملكون من الإبداع سوى لسانٍ طويلٍ وصوتٍ مرتفع، ندرك أن الفساد الثقافي لم يعد طارئًا، بل صار سياسةً غير معلنة لتدمير الذوق العام وإفراغ الثقافة من معناها.
لقد تحوّلت المنابر إلى مدارج للمتزلفين، تُمنح فيها الجوائز كما تُوزع الصدقات، وتُمنح الألقاب لمن لم يقرأوا كتابًا، في حين يُقصى من أفنى عمره في محراب الكلمة.
صار التهافت قاعدة، والموهبة استثناءً منسيًّا، وتحوّلت الثقافة إلى واجهةٍ براقةٍ لواقعٍ فاسدٍ يخنق الجمال باسم الدعم والتنوير.
المهرجانات تتكاثر كالفطر، والميزانيات تُهدر كما تُهدر الكلمات في خطبٍ جوفاء، لا هدف لها سوى تلميع الوجوه وإشاعة الوهم الثقافي.
كأننا أمام مسرحية عبثية كبرى، تتبدّل فيها الأدوار: المهرّج مبدع، والمبدع معارض، والجاهل خبير، والرداءة سياسة.
أما الكلمة الصادقة، فمصيرها الإقصاء أو التجاهل، والمبدع الحقيقي يُدفع إمّا إلى الصمت أو إلى الهجرة، فيغدو غريبًا في وطنٍ يتزين بالمزورين ويتجاهل المخلصين.
وهكذا تُغتال الثقافة مرتين: مرةً حين يُصعد إلى المنصات من لا يستحق، ومرةً حين يُجبر المبدع على الانسحاب كي لا يُدنّس قلمه بالوحل.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button