الذكرى الخمسون للمسيرة الخضراء… قراءة في استراتيجية الحسم وتكريس السيادة

تمثل الذكرى الخمسون للمسيرة الخضراء المظفرة التي يحتفل بها الشعب المغربي في السادس من نونبر 2025 لحظة تاريخية واستراتيجية بالغة الأهمية لتقييم الحصاد الاستراتيجي الذي حققه المغرب على مدى نصف قرن.
ففي ظل الاحتفالات، لا يتم استحضار مجرد حدث تاريخي، بل يُعاد تأكيد الخيار الاستراتيجي الأولي الذي اعتمده المغرب لاسترجاع أقاليمه الجنوبية.
كانت المسيرة الخضراء، التي أعلن عنها في 16 أكتوبر 1975 وانطلقت فعليًا في 6 نو نبر 1975 ، “فكرة عبقرية قادها ملك عبقري”، المغفور له الملك الحسن الثاني، لتجسيد قيم السلام والتضامن والإنسانية.
ولقد تم اختيار هذا الطريق في وقت كان العالم يشهد فيه صراعات وحروباً باردة وقاتلة، مما أثبت للعالم أن خيار التحرير الأقل تكلفة كان ممكنًا عبر القوة السلمية والإجماع الوطني.
ومن المقرر أن تتوج احتفالات الذكرى الخمسين بالاستماع إلى الخطاب الملكي السامي بمناسبة هذه الذكرى يوم 6 نونبر 2025. ومن المتوقع أن يكون هذا الخطاب امتدادًا لخطابات سابقة حددت بشكل واضح استراتيجية المغرب في القضية الوطنية، مؤكدة على الانتقال من مرحلة “تدبير النزاع” إلى مرحلة “الحسم والتغيير”.
هذا التوجه يؤكد أن الذكرى الخمسين هي نقطة تحول للاحتفاء بالواقع الملموس الذي رسخته المملكة، وليس مجرد سرد لأحداث الماضي.
من استرجاع الأقاليم إلى مرحلة ترسيخ السيادة
تتعامل المملكة مع الذكرى الخمسين كفرصة لترسيخ أن المسيرة الخضراء ليست فقط حدثًا تاريخيًا، بل هي “رمز يعبر عن الوحدة الوطنية” و”واقعًا ملموسًا وحقيقة لا رجعة فيها”، حيث لا يمكن بأي حال من الأحوال العودة إلى الوراء في ما يخص وحدة الأراضي المغربية.
ويتمثل أحد الأهداف الاستراتيجية الرئيسية للمغرب في تحويل التاريخ إلى شرعية واقعية على الأرض. فالمملكة لا تحتفل بالحدث التاريخي لعام 1975 كذكرى جامدة، بل كـ “نقطة انطلاق” لاستراتيجية التنمية والسيادة التي امتدت 50 عامًا.
تستند السياسة المغربية في ترسيخ الحسم على ثلاثة أبعاد أساسية :
- التشبث بالانتماء الوطني: تكريس تعلق ساكنة الصحراء بالبيعة والولاء للملك، وهو الرابط الذي يمثل شرعية تاريخية غير قابلة للجدل.
- التنمية المستدامة: مواصلة مسيرة التنمية الشاملة بالأقاليم الجنوبية، وخلق واقع اقتصادي واجتماعي مزدهر يخدم الساكنة المحلية.
- الدعم الدولي: الاعتراف الدولي المتواصل بواقعية مبادرة الحكم الذاتي كحل وحيد للنزاع.
إن ربط الاحتفال بالذكرى الخمسين بمفهوم “نصف قرن من التنمية والعطاء” يرسخ فكرة أن الحكم المغربي أثمر الازدهار والاستقرار. هذا الربط الاستراتيجي يهدف إلى إضعاف الحجة الانفصالية التي قد تركز على الجوانب السياسية المجردة، مقابل واقع التنمية الملموسة والاندماج الاقتصادي الذي تم تحقيقه على الأرض.
الإطار القانوني والانتصار الدبلوماسي الحاسم لعام 2025
شهدت الفترة التي سبقت الاحتفال بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء، وتحديداً في 31 أكتوبر 2025، صدور قرار بالغ الأهمية من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وهو القرار رقم 2797 (2025). لقد أيّد هذا القرار خطة المغرب للحكم الذاتي للصحراء المغربية بشكل واضح.
وجاء في القرار، الذي أُقرّ بمبادرة من الولايات المتحدة باعتبارها صاحبة القلم، أن منح الصحراء المغربية حكماً ذاتياً حقيقياً تحت السيادة المغربية “قد يكون الحل الأكثر جدوى” للصراع.
لقد حدد القرار 2797 مبادرة الحكم الذاتي كأساس وحيد للمفاوضات، واصفاً إياها بأنها “الحل الأكثر واقعية” ، وداعيًا جميع الأطراف إلى الانخراط في مفاوضات بناءً على هذه الخطة التي قدمها المغرب للأمم المتحدة لأول مرة في عام 2007.
كما أكد القرار على ضرورة التوصل إلى حل سياسي عادل ودائم ومقبول للطرفين قائم على التوافق.
وفيما يتعلق ببعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية (مينورسو)، جدد القرار ولايتها لمدة 12 شهرًا، أي لغاية 31 أكتوبر 2026.
الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية: تكريس الحل الواقعي الوحيد
يمثل صدور القرار 2797 قبل أيام قليلة من الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء توقيتًا استراتيجيًا متميزًا يسمح للدبلوماسية المغربية بتحويل الاحتفال من مجرد ذكرى تاريخية إلى منصة إعلان انتصار سياسي ودبلوماسي. هذا التزامن يضفي شرعية أممية حديثة جدًا على الاحتفالات بالسيادة، ويدعم بشكل فعال صورة المغرب كفاعل دولي واقعي.
لقد أُقرّ القرار بـ 11 صوتًا مؤيدًا، مقابل امتناع 3 دول فقط هي روسيا والصين وباكستان، بينما اختارت الجزائر عدم التصويت. هذا الإجماع يعزز الموقف المغربي القائم على أن حل النزاع يجب أن يعتمد على مقترح الحكم الذاتي ، وهو ما يتوافق مع تأكيدات الخطاب الملكي (للذكرى 49) بأن أطروحة الاستفتاء قد تجاوزها الزمن وتخلت عنها الأمم المتحدة.
رحّب العاهل المغربي بالقرار، مؤكدًا أنه يدخل المغرب “مرحلة الحسم على المستوى الأممي” و”حدد مرتكزات إيجاد حلّ سياسي نهائي للنزاع في إطار حقوق المغرب المشروعة”. وفي سياق الاعترافات، جاء هذا القرار بالتزامن مع “اعتراف رقمي جديد” تمثل في تحديث شركة “غوغل” العالمية لخرائطها لتظهر الصحراء المغربية كجزء لا يتجزأ من تراب المملكة، ما اعتبر انعكاسًا مباشرًا لتزايد القبول الدولي بالمقترح المغربي.
توضح المعطيات التالية الأبعاد والتأثيرات الاستراتيجية لقرار مجلس الأمن رقم 2797:
أبعاد وتأثيرات قرار مجلس الأمن رقم 2797 (أكتوبر 2025)
| البعد الاستراتيجي | مضمون القرار 2797 | الأثر والتداعيات |
| أساس الحل | يؤكد أن الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية هو “الحل الأكثر جدوى” و”الأكثر واقعية”. | تكريس الحكم الذاتي كإطار وحيد للتفاوض، مما يلغي فعلياً خيار الاستفتاء.[6, 12] |
| التصويت والشرعية | إقراره بـ 11 صوتاً مؤيداً، وامتناع 3 دول، وعدم معارضة أي عضو. | يعكس إجماعاً دولياً واسعاً على واقعية المقترح المغربي، ويؤكد عزلة الأطراف الرافضة في مجلس الأمن. |
| الدبلوماسية الإقليمية | الملك محمد السادس يدعو لحوار أخوي صادق مع الرئيس الجزائري. | يضع المغرب في موقف الراغب في الحل والسلام، ويحمل الطرف الآخر مسؤولية الجمود الإقليمي. |
النموذج التنموي الجديد: الأقاليم الجنوبية كقاطرة للنمو ومحور اقتصادي إقليمي
تعتبر التنمية الاقتصادية في الأقاليم الجنوبية جزءًا لا يتجزأ من استراتيجية “الحسم” السياسي. من خلال ضخ استثمارات ضخمة وطنية وأجنبية، يعمل المغرب على جعل أي حل سياسي آخر غير الحكم الذاتي تحت سيادته غير منطقي اقتصاديًا وغير قابل للتطبيق. لقد حظيت هذه الأقاليم باهتمام خاص من قبل الملك محمد السادس، الذي أطلق سلسلة من المشاريع التنموية الكبرى بهدف تحويل المنطقة إلى قطب اقتصادي حقيقي.
إن هذه الاستراتيجية التنموية ليست مقتصرة على البنية التحتية فقط، بل تشمل قطاعات حيوية مثل الطاقة المتجددة، الفلاحة، الصيد البحري، والسياحة. وتخدم هذه المشاريع أهدافًا مزدوجة تتمثل في تحسين ظروف عيش الساكنة المحلية وتوفير فرص الشغل، بالإضافة إلى تعزيز الاندماج الاقتصادي للمنطقة مع باقي أقاليم المملكة ومحيطها الإقليمي والدولي. ويتمثل ضمان السيادة في توجيه عائدات الثروات الطبيعية نحو تمويل المشاريع التنموية المحلية، وتحسين الخدمات الاجتماعية، مما يضمن استفادة الساكنة المحلية منها أولًا، ويعزز التنمية البشرية والاقتصادية.
خارطة طريق البنية التحتية: الأثر الجيوسياسي لمشاريع الطريق والموانئ
تشمل المشاريع التنموية الضخمة في الأقاليم الجنوبية بنية تحتية مهيكلة تهدف إلى ترسيخ الوحدة الترابية مادياً. من أبرز هذه المشاريع:
- الطريق السريع تزنيت-الداخلة: يُعد هذا الطريق شريانًا حيويًا يربط شمال المغرب بجنوبه، ويسهل حركة البضائع والأشخاص، ويعزز الروابط الاقتصادية مع دول غرب إفريقيا. إن إتمام هذا المشروع يرسخ الاندماج الاقتصادي الكامل للمنطقة مع باقي أقاليم المملكة، مما يقوي الحجج ضد أي محاولة فصل.
- الموانئ الجديدة: مثل ميناء الداخلة الأطلسي، الذي يلعب دورًا محوريًا في تعزيز مكانة المنطقة كبوابة بحرية نحو القارة الإفريقية والأمريكيتين. هذا المشروع اللوجستي الضخم يدعم هدف تحويل المنطقة إلى مركز محوري للاقتصاد الأزرق.
الاقتصاد الأخضر والأزرق: استقطاب الاستثمارات الأجنبية
شهدت الصحراء المغربية مؤخرًا تدفقًا ملحوظًا للاستثمارات الأجنبية، خاصة من الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، مما يعكس الثقة الدولية المتزايدة في مستقبل المنطقة الاقتصادي تحت السيادة المغربية. وقد أكدت الولايات المتحدة دعمها للسيادة المغربية بإعلانها عن استثمارات اقتصادية كبيرة، شملت توقيع مذكرة تفاهم مع مؤسسة تمويل التنمية الدولية الأمريكية والحكومة المغربية، تتضمن استثمار مبلغ ضخم يصل إلى 3 مليارات دولار على مدى سنوات لدعم المشاريع التنموية.
يهدف التركيز على قطاعات مثل الطاقة الشمسية والريحية إلى تحويل الصحراء إلى “جنة خضراء” ونموذج يحتذى به في الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة. هذا التوجه لا يعزز فقط الاكتفاء الذاتي للمنطقة، بل يفتح آفاقًا جديدة للتصدير ويجذب المزيد من الاستثمارات الخضراء. وفي إطار الاحتفالات، تستضيف مدينة الداخلة مسابقة دولية للصيد السياحي والرياضي في 1 و 2 نوفمبر 2025 تخليدًا للذكرى الخمسين. ويُنتظر أن تحظى هذه التظاهرة بتغطية إعلامية وطنية ودولية واسعة، مما يسلط الضوء على جهود الداخلة في التنمية السياحية المستدامة ودورها المتنامي في الاقتصاد الأزرق، معززة بذلك إشعاع المنطقة كـ “عاصمة مغربية للرياضات البحرية”.
يوضح الجدول التالي أبرز المشاريع والأهداف الاقتصادية المرتبطة باستراتيجية الحسم التنموية:
مشاريع البنية التحتية الكبرى والأهداف الاقتصادية في الأقاليم الجنوبية
| المشروع/القطاع | المكون الرئيسي | الهدف الاستراتيجي (محور الحسم) |
| الربط الإقليمي | الطريق السريع تزنيت-الداخلة. | ترسيخ الوحدة الترابية مادياً وربط المنطقة بالعمق الإفريقي (العمق الجيوسياسي). |
| اللوجستيك والتجارة | ميناء الداخلة الأطلسي. | تحويل المنطقة إلى بوابة بحرية بين إفريقيا والأمريكيتين، ودعم “الاقتصاد الأزرق”. |
| الاستثمار الأجنبي | مذكرة تفاهم (IDFC) بقيمة 3 مليار دولار. | تأكيد الثقة الدولية في مستقبل المنطقة تحت السيادة المغربية، وتحويلها لقطب صناعي. |
| الاستدامة والطاقة | الطاقة الشمسية والريحية. | تحقيق الريادة في الانتقال الطاقي وجذب “الاستثمارات الخضراء”، مما يعزز الاستقلال الاقتصادي. |
الدينامية الإفريقية: الوزن الواقعي للقنصليات مقابل الاتحاد الإفريقي
يعتمد المغرب في استراتيجيته الدبلوماسية على مقاربة متقدمة تهدف إلى عزل النزاع الإقليمي عن محيطه عبر تكثيف الوجود الدبلوماسي المباشر في الأقاليم الجنوبية. تشير المعطيات إلى أن 75 في المائة من بلدان القارة الإفريقية تساند مقترح الحكم الذاتي المغربي. والأكثر أهمية هو البصمة الدبلوماسية الملموسة؛ حيث تتوفر 22 دولة إفريقية على قنصليات في مدينتي الداخلة والعيون، وهو ما يمثل حوالي 40% من دول الاتحاد الإفريقي.
إن هذا العدد الكبير من القنصليات يعد دليلاً ماديًا على نقل الاعتراف من الدعم السياسي المجرد إلى الالتزام الاقتصادي والدبلوماسي المباشر. وفي المقابل، يواجه الاتحاد الإفريقي “امتحانًا قانونيًا” صعبًا، حيث يستمر في الاعتراف بما يسمى “الجمهورية الصحراوية” التي لا تعترف بها الأمم المتحدة، في حين أن الاتجاه الواقعي الذي تتبناه الأمم المتحدة رسميًا ينطلق أساسًا من السيادة المغربية على الأقاليم الجنوبية. وبذلك، فإن الوجود القنصلي المكثف يضعف حجة الاتحاد الإفريقي بأن الكيان الانفصالي يمثل واقعًا سياسيًا، مما يفاقم العزلة العملية للأطروحة الانفصالية.
الاعترافات الدولية: تقييم الأثر القانوني والسياسي
شهدت الدبلوماسية المغربية زخمًا دوليًا متزايدًا في السنوات الأخيرة، حيث أصبح الحكم الذاتي إطارًا سياسيًا واقعيًا ومقبولًا دوليًا. ويُعد القرار السيادي للولايات المتحدة الأمريكية بالاعتراف بالسيادة الكاملة للمغرب على صحرائه “محطة مفصلية” في هذا المسار. ويُظهر هذا الزخم أن مبادرة الحكم الذاتي لم تعد مجرد مقترح مغربي، بل أضحت الأساس الوحيد والواقعي والجدي والقابل للتطبيق لتسوية النزاع.
ولتعزيز المكتسبات الدبلوماسية في المحافل العليا، يتوقع أن تشهد المرحلة المقبلة تعزيزًا لموقف المغرب داخل مجلس الأمن. ومن المرتقب أن تنضم ثلاث دول لديها قنصليات في الصحراء المغربية إلى مجلس الأمن كأعضاء غير دائمين ابتداءً من يناير 2026، مما يساهم في تعزيز الدعم للمغرب في القضايا المتعلقة بملف الصحراء.
الدبلوماسية الموازية والوطنية: دور الأحزاب في تخليد الذكرى
انخرطت الأحزاب السياسية المغربية بقوة في استراتيجية الحسم، مستغلة الذكرى الخمسين كفرصة للتعبئة والترافع. في هذا الإطار، استعد حزب التجمع الوطني للأحرار (RNI) لتنظيم سلسلة من اللقاءات الجهوية للدفاع عن الوحدة الترابية، انطلقت أولاها من مدينة الداخلة تحت شعار “خمسون سنة للمسيرة الخضراء نصف قرن من التنمية والعطاء”. وشدد قادة الحزب على أهمية هذه الاجتماعات لفتح نقاش متعدد الأبعاد حول رمزية المسيرة الخضراء ونتائجها على صعيد التنمية الشاملة.
كما أكد حزب الأصالة والمعاصرة (PAM) على ضرورة تعزيز مستوى “الدبلوماسية الحزبية والبرلمانية”، من خلال الانخراط في منظمات دولية مثل الليبرالية الدولية للدفاع عن القضايا الوطنية العادلة. وتتكامل هذه الدبلوماسية الحزبية مع الفعاليات المنظمة في الأقاليم الجنوبية، مثل المسابقة الدولية للصيد السياحي والرياضي في الداخلة، التي ينتظر أن تحظى بتغطية إعلامية وطنية ودولية واسعة، تسلط الضوء على دور المنطقة كـ “عاصمة مغربية للرياضات البحرية”.
موقف الجزائر والبوليساريو: تحليل نقد “الإطار غير المتوازن”
على النقيض من الترحيب المغربي، قوبل قرار مجلس الأمن رقم 2797 (2025) بالرفض من قبل جبهة البوليساريو وحليفتها الجزائر. فبينما امتنعت دول عن التصويت، اختارت الجزائر عدم التصويت على القرار. وانتقدت الجزائر القرار، مؤكدة أنه “يخفق في تلبية التوقعات والتطلعات المشروعة للشعب الصحراوي”. وشدد ممثل الجزائر على أن القرار أغفل مقترحات قدمتها البوليساريو لمجلس الأمن (S/2025/664)، وأن الإطار التفاوضي المقترح “ضيق للغاية” ويخلق “عدم توازن” يصب في صالح طموحات طرف واحد (المغرب). ويظل الشعب الصحراوي، وفقًا لوجهة النظر هذه، متمسكًا بحق تقرير المصير والاستقلال.
ويواجه موقف الأطراف الرافضة مأزقًا سياسيًا، حيث إن تمسك البوليساريو بالاستفتاء يصطدم برفض الأمم المتحدة لتطبيق هذه الصيغة، وتأكيد قرار 2797 على أن الحل يجب أن يعتمد على مقترح الحكم الذاتي. إن هذا الواقع يفاقم عزلة الأطروحات التي تجاوزها الزمن.
الدعوة للحوار: تحليل الدعوة الملكية الصادقة مع الجزائر
جدد الملك محمد السادس، في أعقاب صدور قرار مجلس الأمن الداعم للحكم الذاتي، دعوته للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لإجراء “حوار أخوي صادق لتجاوز الخلافات وبناء علاقات جديدة تقوم على الاستقرار”. وأكد المغرب التزامه بالعمل لإحياء الاتحاد المغاربي على أساس الاحترام المتبادل والتعاون والتكامل بين دوله.
تأتي هذه الدعوة للحوار في سياق يضع المغرب في موقف قوة، بفضل الدعم الأممي للحكم الذاتي، مما يتيح له التفاوض من منطلق الحسم وليس الضعف. وتخدم الدعوة هدفين استراتيجيين: أولاً، وضع الجزائر تحت ضغط دولي لإظهار التعاون الإقليمي، خاصة بعد موقفها السلبي من القرار 2797. وثانيًا، تقديم مخرج سياسي يحفظ ماء وجه الأطراف الخصم دون التنازل عن الثوابت الوطنية. فعندما يؤكد الملك أن الحل يجب أن يحفظ ماء وجه جميع الأطراف، فهذا يعني أن التفاوض سيتركز حول شكل تطبيق الحكم الذاتي، وليس على مبدأ السيادة المغربية.
سقف المفاوضات: الحكم الذاتي كأساس وحيد والثوابت الوطنية
لقد أكد الملك محمد السادس أن المغرب يدخل مرحلة الحسم، مشدداً على أن مبادرة الحكم الذاتي ستُقدم للأمم المتحدة لتشكل “الأساس الوحيد للتفاوض باعتبارها الحل الواقعي والقابل للتطبيق”. هذا الإعلان يحدد سقف المفاوضات بوضوح ولا يترك مجالاً للعودة إلى الوراء.
على الرغم من حرص المغرب على إيجاد حل توافقي، فقد أكد في خطابات سابقة أن أي شراكة لن تتم على حساب رمزية السيادة الكاملة للوحدة المغربية. إن استراتيجية المغرب هي الحفاظ على الثوابت الوطنية، بينما يتم تقديم خيارات عملية للخصم للقبول بالواقع الجديد الذي كرسه قرار مجلس الأمن والدينامية التنموية على الأرض.
استنتاجات حول المرحلة الجديدة (ما بعد الذكرى 50)
تكرس الذكرى الخمسون للمسيرة الخضراء رسميًا مرحلة جديدة في ملف الصحراء المغربية. يمكن تلخيص الاستنتاجات الرئيسية لهذه المرحلة على النحو التالي:
- تغيير باراديغم الحل: كرس قرار مجلس الأمن رقم 2797 (2025)، الذي صدر قبل أيام من الذكرى الخمسين، رسميًا نهاية عصر “الاستفتاء” ودخول عصر “الحكم الذاتي” باعتباره الإطار التفاوضي الوحيد والحل الأكثر جدوى وواقعية.
- التكلفة الجيوسياسية للاستمرار: إن استمرار جبهة البوليساريو وحلفائها في التمسك بأطروحات الماضي سيعمق عزلتهم، لا سيما في ضوء تزايد الاعترافات الدولية والتحول التنموي الملموس في الأقاليم الجنوبية، الذي يجعل أي حل انفصالي غير منطقي اقتصادياً وغير قابل للتطبيق.
- التكامل الاستراتيجي بين الدبلوماسية والتنمية: أثبتت الاستراتيجية المغربية أن العلاقة بين النجاح الدبلوماسي (قرار مجلس الأمن) والتنمية الداخلية (المشاريع الكبرى) هي علاقة تكامل. تدعم التنمية السيادة على الأرض وتضمن الشرعية الدولية للقرار التنموي.
التوصيات الاستراتيجية لتعزيز المكتسبات
بناءً على التحليل المعمق للواقع السياسي والدبلوماسي والاقتصادي المتزامن مع الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء، يوصى بالمسارات الاستراتيجية التالية لتعزيز المكتسبات وضمان الحسم النهائي:
- تعميق الدبلوماسية التنموية والاستثمارية: يجب التركيز بشكل أكبر على ربط مبادرة الحكم الذاتي بالشراكات الاقتصادية الكبرى، خاصة في قطاعي الطاقة المتجددة والاقتصاد الأزرق. ويجب استغلال ميناء الداخلة الأطلسي كبنية تحتية جيوسياسية لتعزيز مكانة المغرب كبوابة لوجستية وتجارية حتمية للقارة الإفريقية. إن الاستمرارية في المشاريع التنموية وخلق “حقائق ملموسة” سيجعل المسار السياسي الذي يفضله مجلس الأمن غير قابل للتراجع.
- استثمار الزخم الإفريقي لإنهاء الجمود المؤسسي: يجب استغلال العدد الكبير من القنصليات المفتوحة (22 دولة إفريقية) والدعم القاري الواسع (75%) لزيادة الضغط داخل الاتحاد الإفريقي. الهدف هو مواءمة الموقف المؤسسي للاتحاد الإفريقي مع الواقع الأممي والميداني، ودفعه لمراجعة أو تجميد عضوية الكيان الانفصالي، مما يعزل خصوم المغرب إقليمياً بشكل تام.
- إدارة مرحلة الحوار بوضوح تام: يجب أن يظل سقف أي مفاوضات مستقبلية واضحًا وثابتًا، حيث يشكل الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية “الأساس الوحيد” لأي محادثات. أي حوار مع الجزائر يجب أن يركز على شروط بناء الاستقرار الإقليمي وشروط إحياء الاتحاد المغاربي، مع التأكيد على عدم إمكانية المساس بالثوابت الوطنية.
- تعزيز الدبلوماسية الموازية والبرلمانية: يجب الاستمرار في استخدام الأحزاب السياسية والبرلمانيين والمؤسسات المدنية في الترافع الدولي (كما فعل حزب التجمع الوطني للأحرار وحزب الأصالة والمعاصرة). هذه الدبلوماسية الموازية تلعب دوراً حيويًا في تفكيك الروايات المعارضة وتعزيز الرؤية المغربية كنموذج إقليمي للاستقرار والتنمية.



