
إلى من حملوا أحلام هذا الوطن في صدورهم، ودفعوا من أجلها دماء طاهرة زكية وأرواحاً ندية، في ثورة سبتمبر المجيدة.
إليكم أنتم، الذين لم تهزمكم العتمة، ولم تطفئ الحروب فيكم جذوة الإيمان بقيم الحرية والعدالة ووحدة السودان.
وإن كان المتنبي قد قال يوماً:

ما كلُّ ما يتمنّى المرءُ يُدركهُ * * * تجري الرياحُ بما لا تشتهي السُّفُنُ.
فإنكم أثبتم للعالم أن هناك من يغير اتجاه الريح نفسها. وأن للهمة العالية سلطاناً يفوق قسوة الأيام.
وهذه الأبيات التي نستلهمها اليوم ليست مجرد شعر، بل هي مرآة لنفوسكم الكبيرة:
تجري الرياحُ كما تجري سفينتُنا * * * نحنُ الرياحُ ونحن البحرُ والسُّفُنُ
أنتم لستم مجرد متفرجين على مسرح الأحداث، ولستم ضحايا لتقلبات السياسة ولا لمكر التاريخ. أنتم صنّاع المسار، وقادة الوعي، وملاحو المستقبل.
أنتم الرياح التي تدفع السفينة، والبوصلة التي تحدد لها الاتجاه.
لقد ارتجيتم أهدافكم بهمّتكم:
إن الذي يرتجي شيئاً بهِمَّتِهِ * * * يلقاه لو حاربته الإنسُ والجِنُّ
ورغم أن القوى الظلامية، التي تخاف نور الحرية، قد تآمرت على ثورتكم، واستدعت عسكراً مؤدلجاً ومليشيا وكتائب ظل، لتجهض حلم الحكم المدني، فإن الحقيقة التي لا تزول هي أن الإرادة الشعبية أقوى من طائرات القمع، وأكبر من دبابات الاستبداد، وأعمق جذوراً من كل مشروع فاسد يحاول سرقة الوطن.
وأنتم تعلمون أن الطريق ليس سهلاً…
لكن القمم لا تدرك إلا حين يُرفع الرأس ولا يُخفض، وحين نختار الصعود مهما كان المنحدر قاسياً.
فاقصدْ إلى قمم الأشياءِ تدركها * * * تجري الرياح كما رادت لها السّفن
إن وحدة السودان لن يصنعها السياسيون وحدهم، ولا الجنرالات، ولا أمراء الميليشيات، بل يصنعها جيلكم. هذا الذي لا يعرف الكراهية، ولا يرتهن لقبلية أو جهوية أو أيديولوجيا عمياء.
جيل يرى في كل سوداني شريكاً في الوطن، لا خصماً ولا عدواً.
يا جاهل يا مغرور
كل السودان دارفور
جيل يؤمن أن الحكم المدني ليس شعاراً، بل عقداً أخلاقياً، يقوم على العدالة والمشاركة، ومحاسبة كل من قتل وأفسد وسرق ودمر.
جيل يعرف أن الديمقراطية ليست صناديق فقط، بل ثقافة وسلوك وقيم، وأن أخطاء الماضي لا تعالج بالانقلاب عليها بل بتطويرها.
يا شباب السودان…
يا من حملتم الحلم وظل وجدانكم نقياً، لم يتلوث رغم الدم والدمار…
اعلموا أن السفينة التي تقودها عزيمة صادقة لن تغرق أبداً.
حتى لو هاج البحر، واشتدت العاصفة، واختنق الأفق بالمسيّرات والبوارج ونداءات “البل” والإقصاء.
فسوف تظلون أنتم الرياح التي ستعيد للسودان اتجاهه الصحيح.



