Hot eventsأخبارأخبار سريعةثقافة و فنعين العقل

Un petit mot / كلمة ليست ككل الكلمات

بقلم الاستاذ: مولاي الحسن بنسيدي علي

ليس من الحكمة أن نكتفي بقراءة بشائر الرياح دون أن نتقي عصفها، ولا أن نركب الطوفان موهومين بالنجاة. فمَن يجعل من الأهوال دربًا له، أو يصاحب التماسيح والعفاريت، لا يمكن أن يُحسب على العقلاء. ومن لا يزن الأمور بميزان التعقل، ولا يتخذ قراراته على بصيرة، إنما يدفع بنفسه نحو التهلكة. أما من يكيد لغيره، فمصيره أن يرتشف يومًا من الكأس نفسها التي سقاها لغيره، فهذه سنن لا تحابي أحدًا.
وفي هذا السياق يثور سؤال جوهري: ما الذي تعنيه لجنة الأخلاقيات حين تتحول من هيئة يُفترض فيها التحكيم والإنصاف إلى طاولة مساومات على مصير زميل، وتستعير قاموسها من قمامة الألفاظ، فتستبيح النيات وتغتال السمعة بمصطلحات جارحة لا تليق لا بالمقام ولا بالمسؤولية؟ كيف تُدار محاكمات أخلاقية بمنطق المجازفة، ويُختزل مصير الأشخاص في عبارات عابرة، قد يغير «كلمة صغيرة» مجرى الوقائع، بينما تُهمَّش أصوات جاءت للمؤازرة والحد من المؤامرة، فلا يُلتفت إليها ولا يُصغى لندائها؟
إن تأديب المخطئ ليس عيبًا، بل هو من صميم العدالة، غير أن العيب الأكبر، والخطيئة الأفدح، أن يُستبدل العدل بالظلم، وأن تتحول آليات التقويم إلى أدوات للإقصاء، وتُفرغ الأخلاقيات من معناها لتغدو غطاءً لانحراف في الممارسة. عندها لا تكون المشكلة في الخطأ الأصلي بقدر ما تكون في الطريقة التي أُدير بها الحساب، وفي ميزان اختل، فخان جوهر العدالة باسمها.
ما أحوجنا اليوم إلى وقفة ضمير صادقة، نعيد فيها الاعتبار لقيمة الحكمة قبل سلطة القرار، ولصوت العقل قبل ضجيج الحسابات الضيقة. فالمناصب زائلة، واللجان عابرة، أما الأثر فباقٍ في الذاكرة وفي ميزان التاريخ. من تولّى أمر الناس، ولو في أضيق الدوائر، مطالب بأن يتخفف من الأهواء، وأن يجعل العدل بوصلته الوحيدة، لا ينتصر لنفسه ولا لفريقه، بل للحقيقة وحدها. فالعدل إذا غاب تاهت الأخلاقيات، وإذا حَضَر استقام الحكم، وسَلِمت النفوس من غدرٍ قد لا ينجو منه أحد. تلك ليست موعظة مثالية، بل شرط أخلاقي لبقاء المؤسسات، وصون الكرامة، وحماية الإنسان من أن يُدان مرتين: مرة بخطئه، ومرة بظلم من تصدّروا للحكم عليه.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button