ثقافة و فن

الزجل الصادق في مركب لهبال ل”كنزة فريدو”

كتب: ذ. بوسف طنان

يقال “الهبال فيه وفيه” منه المرضي المستوجب للعلاج ومنه المفيد لما يعتريه من حكمة وعمق نظر، وهذا حال ما جادت به قريحة الفنانة المقتدرة “كنزة فريدو” عبر مركبها الشعري المرتكز على فن الزجل، جادت قريحتها بما يطرب وما يأخذنا في مسار الاستئناس إلى درجة التمعن الفلسفي لما تكتنزه قصائدها من منجد طافح بالفلسفة الوجودية والثورة على الخصال المكروهة المعترية لمجتمعنا وتطفح به كتب علم الاجتماع تتبناها تحليلا ودراسة.

وبما أن الهبال له علاقة وطيده بعلم النفس خاصة مدرسة التحليل النفسي بشتى مشاربها، فهذا الاصطلاح يحيلنا على أن الخلل النفسي أو العقلي يتأتى عبر عملية مركبة، تركيب يخفي في خلفيته مرجعا، مصدرا وسببا أو الدافع لمثله سلوك قد يكون قويما أو مرضيا شأنه شأن الإبداع بكل مشاربه، فيه القيم والناجع الأفيد وفيه ألغث، المبتذل، الساقط الذي لا يخدم فردا أو جماعة ومادام “الهبال” حالة شعورية وفكرية شاب البعض وتتجلى في أغلب ممارسي الفن، إما بشكل تفاعلي، تناضري، أو كتعبير عن رفض حاد وتنصل من وضع معين كردة فعل تستوجب الوقوف عليها، فمركب كنزة فريدو يأخذنا في رحلة تفي بالغرض، تقتفي آثار الحالات النفسية التي كانت الباعث وراء فن القول الذي جمعت بعضه وصدرته ضمن ديوانها: المركب. أتى الديوان موضوعاتيا يشمل: الوطنية، العاطفة، الصوفية، المسرح، الحقوق، الأخلاق، أسئلة وجوديةالمغناه مرجعها توغلها في عالم السرديات خاصة المسرح، وبالضبط عالم التشخيص، حيث جربت آيات التفاعل والانفعال مع العديد من النصوص المسرحية العائدة للعديد من الكتاب في وطننا أو خارجه، وعبرها جربت كل الأساليب المعتمدة على أدوات الممثل: الصوت، الجسد، حيث الرقص والغناء، الصمت والصراخ التنفس الطبيعي والمصطنع وما يجاورها من انفعالات حضورية مع الملابس، الديكور، الإنارة، الماكياج، الموسيقى ثم الحضور.

يحتوي الديوان على: 36 قصيدة و 64 صفحة. فهل تعمدت الشاعرة تضمين الديوان هذا العدد المثير من القصائد لديوانها، علما أن هذا العدد معرف به المستشفى الجامعي الخاص بالأمراض النفسية والعقلية لمدينة الدار البيضاء، والذي سبق للفنان الكوميدي حسن الفذ أن خلق سلسلة فكاهية باسم هذا الرقم.

الإبداع في أغلبه حالة مرضية تعتري المبدع، تخدم مصلحته الشخصية للتنفيس عنه أنيا وبعديا كما تخدم المجتمع الصغير والكبير وربما الأجيال القادمة على المستوى الوطني والدولي، إن كانت ترى بعين جادة وجدية، واعترتها المميزات الفريدة التي تشرعن للإبداع بالانتشار والسواد، لتداول هام يرتضيه الكل.

وتفاعلا منها مع فعل هدم المسرح البلدي لمدينة الدار البيضاء الكبرى، تثور قريحتها بمقطع للحدث ولتجربتها فيه واعترافا منها بالطاقات الفاعلة في فضاءاته التي عملت أيدي السلطة على محو آثاره حتى يصبح في خبر كان “هنا فهاد لمكان – كان هنا مسرح – بقلوب حية تنبض بالحب – بالخير والسلام تفرح – تصول وتجول وتمرح –شحال من مسرحية اهنا –تلعبات– والجماهير ليها فرحات –شحال صفقات – بالفنانة ديالناتبهرات– إيه يا المسرح البلدي…”

إنها إشارات واضحة للمعلمة التاريخية التي أثرت في النفوس لما كانت تجود به الأرواح الفنانة التي أغدقت على الجمهور البيضاوي بعروضها التي لازالت لصيقة بهواة ومحترفي الفن المسرحي، تفاعل مثل هذا يعبر عن قريحة جادة وفكر مسالم ينشد الهدنة والسلام يسعى للحب الذي جمع ويجمع بين البناية المسرحية، الشخص والمتفرج.

الديوان الزجلي، مركب لهبال، باقة شعورية مهداة من الشاعرة المتعددة المواهب لروح والديها، صدر على نفقتها عن دار المعارف الجديدة، بالرباط بشهر نونبر سنة 2021 تحت رقم إيداعه القانوني : 2021 MO4462 ردمك 7-419-34-9920-978 تتصدره بقصيدة تحت عنوان: عاش الملك، جاء فيها، “نجل الحسن الهمام – حامل لواء الإسلام – لمسنا الحلم فاعمالو– وادركنا الحكمة فخطواتو– علمنا كيف نتضامنو–ونديرو اليد في اليد من صغرو– أحبيب الشعب ملكا – رمزا الأب هو أملنا …” إنها كلمات تجدد البيعة للسدة العالية بالله شأنها شأن كل الوطنيين الغيورين على ملكهم – وطنهم – إرثهم تصدح مصرحة بمشاعرها نحوه دون تملق أو زيف وهي الصادقة الصدوقة دوما في الواقع وعلى خشبة المسرح. ثم تليها قصيدة تحت عنوان: فانطازيا كورونا… وكأنها تبدأ من حيث هي لتعود بنا إلى ما جادت به قريحتها من قبل، وكأنها تصدر نهج سيرتها بشكل مفكر فيه وموغل في الفكر والشعور فهي كالملتوعة بسر علم الحرف تولد لنا دلالات مثيرة من خلال الحروف المكونة لجملة: كورونا تسعة عشر، إذ مثلا في كلمة كورونا: كورونا، كوفيد تسعة عشر، الكاف: كسرات اقتصاد العالم، الواو: وحد الشعوب ، الراء: أرضينا بحمك الله، الواو: وقف حركة العالم، النون: ألف بين القلوب، وتنهيها بكلمة عشر، إذ تقول فيها: العين عابر سبيل إيلا بغا الله، الشين: شرو قريب إزول إن شاء الله، الراء: ردو بالكم راه صعيب وعنيد، راه فكل يوم متحور جديد – ماشي وكيولد– الرجا في الله –فوقاش علينا ايبعد (ص 5-6)

إنها بروح التي خبرت تحليل الخطاب من خلال الكلمة وما تتكونه من حروف، تظهر وكأنها من أولك الصوفية الذين تشبعوا في البحث في علوم الجفر واختبروا علم الحرف والرقم أو ما يسمى بالعلوم اللدنية، حيث لا خطولا إشارة إلا ووراءها سر مخفي يتطلب من المتمحص أن يكشف الشيفرة المخفاة وراءها، لكن بطريقة تفاعلية وانفعالية حيث اللغة الشعرية تخيط خيوطها المعنوية بعقلنة وشعور رهف.

استطاعت كنزة فريدو في كراستها أو كناشها الزجلي أن تخاطبنا بعقل وتدبير، فتراتبية تصدير الديوان لم تكن اعتباطية بل منتقاة ومفكر فيها مسبقا خاصة القصائد الخمس الأولى، الأولى عن حبها للملك – الثانية عن كورونا كحدث عالمي حالي أثر فيها شأنها شأن ابناء المعمور، ثم الثالثة عن البطن الذي احتواها وكان سببا في وجودها “الجنة تحت أقدامك” وتخص بالذكر المرحومة أمها: “صعاب علينا فراقك – يا الي غبت عالعيان– ولدار الحق مشيتي – من صبر أيوب صبرك – والصبر من الإيمان –شحالتعبتي وما تشكيتي– وصبري اليوم من صبرك – يا جنان المحبة والريحان – يا الخالدة في جوارحي…” ثم تليها رابعة عن صاحب النطفة تغمده الله برحمته: والدها حيث جاءت قصيدة : “بويا الحبيب” “… كان لي صديق وقت الضيق، ملي نتلف – كان يوريني الطريق – يكفيني منو رضا عليا – الله يرحمو ويوسع عليه …”

ثم تأتي بعدها قصيدة التسمية، والتي كانت السبب في عنونة المجموعة الزجلية : مركب لهبال، تقول في أحد مقاطعها “.. مركب لحروف –مجدافواهبال– في بحر اللغة –بركوبو ركبني الخوف – حيث ركوب المحال – خاصو خبرة” “وسط الحروف – اسكنت الهبال – ليلة بعد ليلة”

وطبيعي أن تأتي بعدها قصيدة، عن الدنيا الدنيئة التي أثرت في الكل ولا يمكن لأي كاتب أو شاعر أن لا يعبر عن ردة فعله فيها ومنها ومعها، فهي تراها غدارة، ولذلك سمت القصيدة غدارة وتقول في بعضها “دنيا غدارة – وسفينتها عمالة – تلعب بينا وتدينا وتجيب – أو فزماننا ترمينا” “نذوقوا الهموم – في زمان مشؤوم – بالمحسوبية مرشوم – ولات مهزلة –فوقاش تتبدل الحالة –ياك الدنيا بدالة”

فهي تراها تتغير من أسوأ لأسوأ، طبيعتها التغير إذ أصبحت مطبوعة بالشؤم لما فيها من فساد خاصة الزبونية والمحسوبية التي طغت خاصة في الميدان الفني الذي تقتات منه وتعيش عليه كحرفة ارتضتها بعد أن ابتعدت عن عالم التعليم لتجتهد في تلقي أكثر شريحة في كل المسارح التي وضعت عليها أقدامها داخل وخارج الوطن احترافية ومهنية عالية، مشهود لها بذلك دون منازع، لكن شأنها شأن العديد ممن لاحظ له من وزيعة المحسوبية فلازالت تعاني وتكابد المرارة من جراء هذه المهنة النبيلة التي لم تسعفها في تكوين ما كانت تطمع إليه منذ طفولتها، لذلك تتمنى أن تتغير هذه الدنيا مادام التغير طبعها المجبولة عليه، الشيء الذي اختزلته في كلمتها المعبرة “إنا بعدا قاسيت العذاب، عشت الغربة ، وافتقدت الحباب ، عرفت الوحدة، وغيروني لصحاب…” مرة تغرب – مرة تشرق– مرة تلاقي – مرة تفرق – علقم في كاغيد مزوق”

أما في قصيدة: مسلوب ، فهي تعبر بوضوح صارخ عن منظورها الخاص في الحق إذ تقول “الدم جف منا شربوه – الحق من بين يدينا خادوه – المناضل فينا دفنوه والصاحي فينا عدموه” “الحب ضاع مني سرقوه، العز، من بين يدينا تلفوه، اللي كان عندنا ضيعوه – والصادق فينا باغوه حتى لين– الكذاب فينا نساندوه” إنها صرخة مذوية رافضة للمآل الذي آلت إليه أوضاعنا كمغاربة وكعرب من حر التفريط المعلن عنه والواضح المعالم، الذي استطاع أن يغيب فينا كل ماهو جميل، أخلاقي، يؤثت للعنفوان، النبوغ بعيدا عن آليات القمع التي طالت كل الميادين وصيرتنا مجرد جباح خاوية.

وشأنها شأن المولعين بلوعة المسرح والتشخيص على وجه الخصوص ومن خبروا جدة المسرح، فهي تشرح لنا ما لها من انفعالات شعورية حول الحال، لكون قلبها معمور بالفن ففي قصيدة: قلبي بوهالي، تقول بوضوح، ” وقلبي بوهالي، وأنامحذوبة، كاتمة أسراري، والبوهالي ما بغا يتوب، ما بغا يتعلم، مزال يحلم – وأنا على قد حالي –دغية فالحب نذوب” “قالوا عليها تضوي القلوب – كل من كان عليل مغلوب – ترتاح نفس المهموم –تتفاجى، والجرح يترمم – أو روح المجذوب بحالي –تهيج كلام ومعاني – أو تخرج بمكتوب “

إنها الانفلاتات التي تؤتى أكلها بمثن شعري أو قصصي، عالم منفرد يجتاح المبدع في أوج حالاته الشعورية وهو يتخبط في حال من أحوال الإبداع الحر الطليق يجود على الملأ بكلام موزون كفيل بأن يصبح بلسما شافيا للجروح أو آلة حادة تذكيها وتزيد في ألمها المبرح

وفي قصيدة: حلم، تأتي الكلمات لتنضح بما يعتري القلب والعقل من تساؤلات لها علاقة بالآمال المعقودة على الأنفس للخروج من الأحوال الموهوم شطبها بأخرى أكثر حيوية ونجاحا ”البارح حلمت خير وسلام، بالشتا صبت – بماء عجيب – لبيب واحبيب– من السما نزل –جا وهجم – باش يزول الشر – ويمحي الذل – بين القلوب – يزرع الحب – بحال شي ريح هب…” إنها حالة من حالات التطهير (الكاطارسيس) المنشود في عالم المسرح الإغريقي والذي لا يزال يسيطر على النفوس عبر التاريخ حتى اليوم، فالأمل المعقود على الساسة والأقرباء سرعان ما يفور غضبا ويصبح ألما ينشد آيات السلم والسلام العاملة على محو الشر الذي تنامي مع الوقت وسود القلوب، كذا سيظل مثل هذا الحلم يعتري الذاكرة الفردية والجمعية في كل زمان في انتظار التحقيق المرهون بالعباد قاطبة.

وتأتي قصيدة “نعمة” لتصدح بهذا المبتغى الذي يرتكز على فن النسيان الذي تراه نعمة من نعم الله والموجوب الاعتماد عليه لتجديد المسار والسير قدما نحو الآتي مهما كانت الظروف، مادام المصير يتحكم فيه الخالق: هو نعمة، من عند الله – سبحانه وبحمده، عدد خلقه وزنة عرشه- ورضا نفسه ومداد كلماته… نعمة شلا أسرار فيها تداوي الجراح تعافيها – وتساعد عالفراج تجيبها – غير آمن بها نعمة النسيان تشد فيها” ( ص 19).

تقول في قلامي اجفلو “الكلام اجفل – والفكر ارزم – وقلامي راه يخمم– المقام جديد –وأبوابو– والقلب فريد – لقى راحتو فالحلم …” هاد المرة قلامي هو اللي جفل – نطق وتحكلم– أو ما بغا يكمل – والفكر فيه راه يخمم”.

أما في الرشوة فصدحت قائلة: “باركة راه القلب طاب – الرشوة سوسة تنخر العظم – ولي بنيتيه بيها يريب – الغش يبان ولو طالت ليام– وعاو فيقو يا أولي الألباب …” أما في زمان الغمة: “أيام زمان” كان – دير راسك وسط الريوس– أو هاد الزمان صارعيان– زمان أراسي يا راسي – وصاحبك فهاد الزمان – هو جيبك وكان” وتعبر عن الحق وتقول: “داك الحق، فين راه سارح – شد لرحال، بات ما صبح – مول لمليح باع وراح – مول الحق مشا سارح – بين فيافي وبطاح – شكا بكا وصاح – ولا أحد سمع لنواح” أما في الكية: تقول: “فيوم  من الأيام – قلبي تكوا –بكا وشكا – من حر الكية – كانت سبابو عينيا – حلف قلبي على الغرام –ومعاه فقد الآمال – وسباب البلية عينيا – حلفت ليه ترجع الأمان – وترد العيش كي كان” وفي ريح زمان قالت: “حتى الجار كان لجارو جار – فجنبك تلقاه فكل أوان – فالفرح فالشدة والمحان – سبحان مبدل الأحوال – حتى البركة مشات مع فلوس زمان – عجاج اليوم ردنا عميان – شوف وسكت بكمان”

وتقول في: نون يا كحل العيون “نون يا كحل لعيون – جات من أصل أو جود–بغات الخلود – عامت في بحر الفنون – الي عشقاتو بجنون” وتعود في حبك جمرة معبرة بوضوح: بغيت ننسى – وحبك أقوى – راه في دواخل قلبي جمرة – بغيت نفسي يا ويلي  ننسى – غير نتناسى حبك جمرة”

لوعة ومرارة .. عذاب وألم.. سوداوية وأمل، هي عوالم كنزة في الحياة العادية كما هي على ركح المسرح، اعتادت التعايش مع التناقض، وتحملت الصعاب في انتظار الآتي الذي تعرف بقطيعية أنه في الحجب، مرهون بقدرة الله، لذلك تأتي في قصيدة: الرجا، فالله لتعبر قائلة: “إلا ضاقت الدنيا عليك – وكثر الهم وسوادت فعينيك – وانت وحيد في بلاد غريبة عليك – خليها على الله هو مول التدبير..” لتأتي في: يا داك المسلم لتأكد: “لا تبقاش غير تتكلم – فلسطين قهرها الظلم – والقدس تناديك يا مسلم…” مشاعر إنسانية عروبية نابعة من إيمان قوي دون منازع، يستوجب مد الغير بالنصح كحكيمة قادرة على نصح الأقران وذلك واضح في: آخر الزمان، حيث قالت: “وياكتثيق فزمان لا ثقة – زمان العدو فيه صديق – والكذوب ولاو حقيقة – زمان كثرفيه الزواق – ساد فيه الغش والنفاق وصحاب الباطل…” وفي: قليل الحظ “مال الدنيا مني كتهرب، مال الحق عوج – صفيت الما ما قدرت نشر، ليلي طوال – النهار منو هرب”

أسئلة وجودية نابعة من صميم قلب جرب كل شيء في مساره المهني والمعيشي، موغل في حتمية الضياع بين الكلمة والجملة، بين النص والمثن– بين الواقع والخيال، بين المعايش والمأمول، فهي تثور وتنفعل تنعل الحظ العاثر لكن تظل دوما متشبثة بالتغير، لعل الأمل يصدح يوما بالحق وتحصل على المراد والمبتغى.

تعود في قصيدة: فارس أحلامي، لبث لوعتها فتقول: “شفت فارس الأحلام، النبل والشجاعة، من صفاتو، يغير على البلاد، قبل الولاد – والأناقة من علامتو…” ودائما في الحب تقول تحت عنوان: “الحب صعيب “قالو الحب ولد الحرام – كيسكن العظام – وقالو الحب ولد الكلب – كيسكن القلب- وتذبحولبهايم– على الحب الدايم..” وفي: بيه ما صخيت “فبحر عينيه غرقني، لأول مرة تغريت– بلاني حيرني – في حلاوة لسانواتجليت– يمكن عميت وسهيت – راني أكيد حبيت نيت…”.

وهو نظرة من نظرة العشق المنهي بالحرمان تؤكده في: سؤال “سؤال حيرني وحرت معاه– راودني، ترددت فيه – تعلق بلساني – ما بغى يخرج…” “عجبني شكلووحلاوة حديثو – بلساني – ما بغى يخرج…” “عجبني شكلو وحلاوة حديثو – ما تقيلش خفيف على القلب –الجلسىةمعاه تمتع خسارة حتى شي ما يكمل – بيني وبينو فرق شاسع”

كلامها يستحق الشذو وقابل للترنم به وتلحينه، مشبع بالأحاسيس، لا يخلو من موسيقية أخاذة وكلمات رنانة تستحق أن يتعامل معها أكثر من ملحن

تقول في: ورطة “من قال الجبال تصير وطى–كلشي يتبدل ويتطور – والعود يصير طويوطا…” “تلوت الجو، وأكثر المرض – ضاعت أرواح وكثرولكسايد– كلها يسوق كيف بغا” تفاعل مواطن مع الأحداث والوقائع التي تشغل بالها كفنانة قادرة على الدلو بدلوها في حوادث السير وفي التغيير المحدث في الأجواء بصفة عامة، لذلك نراها تساير تحرر المرأة وترى في انعتاقها أمرا مفعولا خدم مصلحتها بمنحها الحق في ممارسة الأعمال التي كانت مقتصرة على الرجال، اليد في اليد “المرأة، زمان سحرت الرجال – بالزين والجمال: والعشاق كثار – واليوم بالعقل مع المال – وصلات للبرلمان – ريح بالك يا الراجل وتهنا – المرأة اليوم تحملات المسؤولية –ترسموبجوج مستقبل ولادنا…” “نراعيو البلاد ونصونو لولاد – نحقو للوطن أمن- يتسلحو بالحب ونخدمو بالجد – السلم شعارنا وحنا مثالو”

وتثير انتباهنا في “ليلة راس العام بقولها “تغلب المسكين –ولا عايش في غبينة – والغني عايش ميسور – يبني فالعمارات والقصور – ما حامل هم للزمان – ولا حاس بالمسكين  الجيعان– باقي لراس العام نهار – وحنا خصنا بزاف باش نوليو بشر…”

تعبير قاتم عن وضع غير مقبول في أيام تنذر بالآتي المرفوض في الوقت الذي يكون فيه أغلب الناس متناسيين للماضي ومستبشرين خير بالقادم مع حلول السنة الجديدة، لكن هي نظرا لخبرتها وانطلاقا من تجربتها الشخصية وما سجلته ذاكرتها من قصص وأزمات الآخرين ترى العكس، تنظر بحسرة للواقع المرير لعل العقول تفهم والإيمان يغلب وتصبح الصراحة موضعا لتغيير الآفاق وتقليب القلوب لعلها تعود لأصلها.

ونجد في قصيدتها الما قبل أخيرة المعنونة بلب كلام “البغل والعود والكيدار–عامل وفلاح يحرثو عليه – القرد والكلب والحمار – عون أو موظف يضحكو عليه – الحولي والبقرة والغزال – طالب علم يضغطو عليه – ويلا بانت ليهم فيه بلا ما يترددويصفيوها ليه”

ثورية واضحة ونقد صارخ للوضع الراهن الذي نكابد مرارته كبشر في عصر استغلالي يراعي مصلحة الفرد لا الجماعة، يمسح الحقوق مهما وجود المطالب بها، نظرة ساخرة معتمدة على القلب اللغوي والتصوير لا فونيتني حتى يصبح الإبلاغ مقصورا على ذوي البديهة وأهل الذوق اللغوي حيث المبنى يخفي المعنى رمزيا ويستلزم المضطلع معرفة مسبقة بفتح أقفال التعابير المجازية”.

وهاهي شاعرتنا تختم ديوانها بخلاصة القول الذي يطفح عند كل صبار شكور أو محروم صارخ في وجه الحرمان بعد طول انتظار، حيث جاءت قصيدة: باب الصبر ما عليه بواب إذ تقول في المقطع الثاني: “لكن الحمل عليا ثقال – والزلط والجوع غلاب – والسفينة سفينة أيامي – موجها قهرة وريحها غذاب”.

هكذا تنتهي رحلة مركبها في بحرها العجاج الذي تلاطمته أمواج الليالي والسنين وتولت العقود التي توالت باستعراضاتها الفجائية التي أنعمتها بالمتناقضات حيث الإحباطات لم تكسر الآمال، والانتظارات طالت ولم تجدي نفعا إلا بصبر قيل عنه بأنه بلا حارس ولا بواب كل شخص قادر على دخوله دون انتظار، لكنها ترى أنها لم تعد قادرة على احتراف الانتظار حيث موجات الصبر كلت وملت، والنفس سممها السأم، إلا أن الأمل في الله كبير، ونزعتها الصوفية حتما ستغلبها عن مآسي الحياة في انتظار الآتي ولو بعد حين، فهنيئا لها بهذا المولود الجديد وهنيئا لنا بالغوص في دروبه النيرة وأنهاره العبقة تعبيرا وشعورا وبلاغة.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button