أخبارالرئيسيةفي الصميم

ليس دفاعا..قراءة في تسمية مرافق عمومية بأسماء شخصيات يهودية مغربية

بقلم: حميد رزقي- صحافي وكاتب

وجّه المعهد المغربي لحقوق الإنسان مراسلة رسمية إلى رئيس جماعة أكادير، يقترح من خلالها إطلاق أسماء شخصيات يهودية مغربية على عدد من المرافق العمومية بالمدينة.

وتأتي هذه الخطوة انسجامًا مع روح التعدد الثقافي والديني الذي يميّز الهوية الوطنية المغربية، كما هو منصوص عليه في ديباجة دستور 2011، والذي يقرّ بأن المكوّن العبري يُشكّل جزءًا لا يتجزأ من روافد الهوية المغربية المتعددة.

وتستند المراسلة إلى مقتضيات دستورية تعزّز التعدد والانفتاح الثقافي، مشيرة إلى أنه، لحدود تاريخ توجيه المراسلة، لا يوجد في مدينة أكادير أي مرفق عمومي يحمل اسم شخصية مغربية من الديانة اليهودية، رغم الأثر التاريخي والإنساني لبعض هذه الشخصيات في الذاكرة الجماعية للمدينة.

واقترح المعهد، في هذا السياق، تسمية متحف إعادة إعمار أكادير باسم أورنا بعزيز، وهي إحدى الناجيات من زلزال 29 فبراير 1960 الذي دمّر المدينة وخلف آلاف الضحايا، حيث شكلت نجاتها من تحت الأنقاض رمزًا للأمل في واحدة من أحلك لحظات المدينة، وأصبحت لاحقًا شاهدة حية على مآسي الزلزال ومسارات الإعمار.كما دعت المراسلة إلى إطلاق اسم نيطا الكيام على المركب الثقافي بحي الداخلة، وهي فنانة يهودية مغربية الأصل، وُلدت في مدينة الدار البيضاء، وتميزت بمسار فني غني بالأغاني العبرية والمغربية، وقد ساهمت من خلال فنها في تعزيز الروابط الثقافية بين الجالية اليهودية والوطن الأم، وظلت تعتز بأصولها المغربية رغم استقرارها بالخارج.

واقترح المعهد كذلك تغيير اسم شارع علال الفاسي بحي بوركان إلى شارع سيمون ليفي، وهو أحد أعلام الفكر اليساري بالمغرب، وناشط بارز في الحركة الوطنية ضد الاستعمار الفرنسي.

وُلد سيمون ليفي في مدينة فاس عام 1934، وكرّس حياته للدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان، وكان أول أمين عام لمؤسسة التراث اليهودي المغربي، وساهم بشكل فعّال في الحفاظ على الذاكرة اليهودية المغربية من خلال العمل الأكاديمي والتوثيقي.

أما المقترح الرابع، فيدعو إلى تغيير اسم شارع عبد الرحيم بوعبيد إلى شارع الحاخام خليفة بن مالكا، أحد كبار الحاخامات الذين عاشوا في المغرب خلال القرن التاسع عشر، ودفن بمقبرة الحي اليهودي القديم بأكادير.

ويُعد الحاخام بن مالكا من الأسماء ذات البُعد الديني والروحي العميق داخل الطائفة اليهودية المغربية، حيث خلّف إرثًا من الكتابات الدينية والفتاوى التي تُعد مرجعًا لدى فقهاء اليهودية السفارديم.

وتؤكد المراسلة أن الغاية من هذه المقترحات ليست فقط الاعتراف بأسماء بعينها، وإنما المساهمة في إنصاف جزء من الذاكرة المغربية، وإبراز غنى وتعددية مكونات المجتمع، بما يعزّز ثقافة الاعتراف والتسامح داخل الفضاء العام، لا سيما في مدينة مثل أكادير، التي لطالما شكّلت نقطة تلاقي ثقافات وديانات متعددة.

وترى المبادرة أن تكريس هذا التعدد في التسمية يحمل بعدًا تربويًا ورمزيًا، ورسالة واضحة للأجيال الصاعدة حول أهمية العيش المشترك والانفتاح على جميع مكونات الهوية المغربية.

لكن، ورغم الوجاهة الحقوقية والثقافية للمقترحات، إلا أن الدعوة إلى تغيير أسماء بعض الشوارع الكبرى التي تحمل أسماء شخصيات وطنية من طينة علال الفاسي وعبد الرحيم بوعبيد، قد تثير نقاشًا مجتمعيًا حساسًا، نظرًا لما تمثله هذه الرموز من حمولة سياسية وتاريخية في سياق الكفاح الوطني من أجل الاستقلال وبناء الدولة الحديثة.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button