Hot eventsأخبارأخبار سريعةفي الصميم

القيادة الحقيقية: تكليف أخلاقي لا تشريف سلطوي

حين نتحدث عن القيادة، كثيرًا ما يتبادر إلى الأذهان المنصب، والمكانة، والسلطة. ولكن الحقيقة الأعمق، التي تغيب أحيانًا خلف الألقاب والمظاهر، هي أن القيادة ليست منصبًا يُشغل، بل أخلاق تُحمل، ومسؤولية تُؤدى، وتضحية تُقدّم.
القائد الحقيقي لا يُقاس بما كُتب على بطاقة تعريفه، بل بما نقشه في ضمير الناس من أثر، وبما خلّفه من خيرٍ في حياة من حوله. القيادة الحقيقية هي في جوهرها خدمة، وليست تسلطًا. عطاءٌ دون انتظار، وسهرٌ على راحة الآخرين، وحرصٌ دائم على الصالح العام.

لقد تعلمنا من التاريخ، بل من الحياة اليومية، أن من يجلس على كرسي القيادة دون أخلاق، إنما يقود المركب إلى الضياع، مهما بلغ من الذكاء أو الحيلة. فبدون الضمير الحي، والرؤية المتوازنة، والتواضع الحقيقي، يصبح المنصب مجرد عبء على الناس، بدل أن يكون أداة للنهضة.
القيادة ليست حقًا مكتسبًا، بل تكليفًا ثقيلًا، لا ينهض به إلا من امتلك ثلاث خصال أساسية:
أولها الأخلاق، لأن القائد بلا قيم كالسفينة بلا بوصلة.
وثانيها العلم والمعرفة، لأن الحماس وحده لا يكفي دون بصيرة ووعي.
وثالثها الإحساس بالآخر، أو ما نسميه “روح الجماعة”، تلك القدرة النبيلة على تفضيل مصلحة المجموع على المصلحة الفردية.

نحن اليوم، في عالم تتسارع فيه التحديات، بحاجة ماسّة إلى هذا النوع من القادة:
قادة يصغون أكثر مما يتكلمون،
يخدمون أكثر مما يأمرون،
ويقفون على الجبهة الأمامية لا في الصفوف الخلفية.
نحن بحاجة إلى من يرون القيادة التزامًا أخلاقيًا قبل أن تكون مكسبًا سياسيًا أو اجتماعيًا. بحاجة إلى من يؤمنون أن التضحية جزء من المعادلة، لا رفاهية، وأن كل قرار يتخذ يجب أن يُوزن بميزان العدل والمصلحة العامة، لا بميزان الحسابات الضيقة.
دعونا نعيد تعريف القيادة، لا في الكتب فقط، بل في عقولنا وقلوبنا وممارساتنا اليومية. دعونا نعلّم أبناءنا أن القائد الحقيقي هو من يُضيء الطريق للآخرين، حتى وإن احترق هو تعبًا وتفانيًا. فالقائد ليس من يُشار إليه بالبنان، بل من إذا غاب، شعر الجميع بفراغه، وحنّوا إلى عدله، وذكروا مواقفه.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button