من سيقود الفاتيكان؟ البابوية بعد فرنسيس والتقارب مع العالم الإسلامي

ودعت الكنيسة الكاثوليكية باباها فرنسيس الذي ترك بصمة إنسانية وروحية نادرة في التاريخ الحديث للبابوية في 21 أبريل 2025. ومع رحيله بدأت الأنظار تتجه إلى الفاتيكان حيث تجرى التحضيرات لاختيار البابا الجديد وسط أسئلة تتعدى حدود المسيحية وتثير اهتماما واسعا في العالم الإسلامي لا سيما في المغرب البلد الذي نسج مع الكرسي الرسولي علاقات مميزة على مر العقود.
وداع رجل بسيط.. حتى بعد الموت
أوصى البابا فرنسيس، المعروف بتواضعه بأن يدفن في كنيسة “سانتا ماريا ماجوري” في روما حيث اعتاد الصلاة والتأمل وقد نفذت وصيته بدفنه في قبر بسيط يحمل اسمه فقط: Franciscus في خروج صريح عن تقليد دفن الباباوات في كهوف الفاتيكان.
هذا الوداع البسيط لقي صدى واسعا ليس في الأوساط الكاثوليكية فقط،بل أيضا بين مسلمين كثر خاصة في إيطاليا حيث عبر كثيرون عن حزنهم لفقدان شخصية كانت دوما صوت حوار وتسامح.
حداد إيطالي وتعاطف مسلم
أعلنت إيطاليا الحداد الوطني لخمسة أيام وتدفقت مشاعر الحزن من ملايين الإيطاليين،بمن فيهم غير المؤمنين الذين رأوا في فرنسيس رمزا للصدق والعدالة. أما الجاليات المسلمة وخاصة في إيطاليا،فقد نعته برسائل مليئة بالمحبة،وامتلأت مواقع التواصل بصوره مع أئمة وشيوخ وسط إشادة بدوره في التقريب بين الأديان.
فرنسيس.. بابا الحوار من الخليج إلى الأطلسي
منذ بداية حبريته في 2013،جعل فرنسيس من الحوار بين الأديان أحد ركائز مهمته.لم يكن مجرد داعية للسلام بل رجلا مارس الحوار فعلا، لا قولا فقط. كان أول بابا في التاريخ يزور شبه الجزيرة العربية،حيث زار الإمارات عام 2019 ثم البحرين عام 2022 ووقع وثائق تاريخية مع علماء مسلمين،بينها “وثيقة الأخوة الإنسانية”مع شيخ الأزهر.
لم يكن يرى الإسلام خصما،بل شريكا في بناء عالم يسوده العدل والرحمة. وقد شكل هذا النهج علامة فارقة، خصوصا في زمن تصاعد فيه خطاب الكراهية والانغلاق.
المغرب.. رمز للتعايش في لحظة مفصلية
برز المغرب كرمز مهم في هذه المرحلة الانتقالية.ففي عام 2019 زار البابا فرنسيس المملكة بدعوة من الملك محمد السادس،في زيارة رمزية شهدت توقيع “نداء القدس” المشترك الذي دعا لحماية طابع المدينة المقدسة كفضاء سلام لجميع الديانات.
هذه الزيارة أعادت إلى الأذهان زيارة البابا يوحنا بولس الثاني إلى الدار البيضاء عام 1985،التي كانت أول زيارة لبابا إلى دولة إسلامية وحضرها أكثر من 80 ألف شاب مسلم.
يشكل المغرب نموذجا فريدا في احترام التعدد الديني،حيث تتعايش المساجد مع الكنائس والمعابد اليهودية وينظر إليه اليوم في الفاتيكان كجسر حضاري وروحي نحو العالم الإسلامي.
كيف ينتخب البابا الجديد؟
تبدأ العملية فورا بعد وفاة البابا. يجتمع الكرادلة دون سن الثمانين في “الكونكلاف”داخل كنيسة السيستين في الفاتيكان حيث يمنعون من التواصل مع العالم الخارجي،حفاظا على سرية التصويت.
يجرى الاقتراع مرات عدة يوميا،حتى يحصل أحد المرشحين على ثلثي الأصوات.يطلق دخان أسود عند الفشل وأبيض عند التوافق ويعلن للعالم: Habemus Papam – لدينا بابا!
رغم التحليلات والتكهنات،يبقى اختيار البابا مفاجئا في كثير من الأحيان،إذ لا أحد يعلم بدقة ما يدور خلف أبواب الكونكلاف.
الرباط حاضرة داخل الكنيسة
من بين المصوتين في الكونكلاف المقبل الكاردينال كريستوبال لوبيز روميرو،رئيس أساقفة الرباط المعروف بنشاطه في الحوار بين الأديان.لقد عاش سنوات طويلة في المغرب ويحظى باحترام واسع هناك.
في عام 2021،قدم شهادة إنسانية مؤثرة عن الجالية المسيحية الإيطالية في المغرب خلال أزمة كورونا وثقتها ضمن دراسة نشرت بعنوان: “الدار البيضاء- الرباط ومراكش: الصمود والأمل في أرض صديقة”.
أبرز المرشحين.. إيطاليان بروح عالمية
تشير الصحافة الإيطالية إلى اسمين بارزين:
• ماتيو زوبي،رئيس مؤتمر الأساقفة الإيطاليين الناشط في الحوار بين الأديان،خاصة مع الجاليات المسلمة.
• بيترو بارولين،أمين سر دولة الفاتيكان رجل دبلوماسي متمرس لعب أدوارا محورية في علاقات الفاتيكان مع الدول الإسلامية.
كلاهما ينظر إليهما كامتداد لنهج فرنسيس: بابا بسيط-منفتح-ينحاز للفقراء ويدعو للتقارب لا الصدام.
نحو مستقبل مفتوح
اختيار البابا الجديد سيكون لحظة حاسمة في تاريخ الكنيسة،لكنه أيضا حدث عالمي بامتياز.فالبابا القادم سيواجه تحديات مشتركة:المناخ-الهجرة-الحروب والتعايش بين الشعوب.
في ظل كل هذا، ينتظر العالم من كاثوليك ومسلمين وغيرهم،معرفة من سيكون هذا القائد الجديد وهل سيحمل شعلة الانفتاح التي أضاءها البابا فرنسيس،أم يسلك طريقا آخر؟ .



