
بقلم : ذ.مولاي الحسن بنسيدي علي
كثير من الناس لا يتهذبون إلا إذا مرّغهم الواقع في أوحال الحقيقة، ولا يتواضعون إلا إذا لُقِّنوا درسًا في معنى الإنسان. أولئك الذين تتورم ذواتهم وتنتفخ صدورهم بادعاء القوة، يعتلون المنابر وهم حفاة من الأخلاق، ويجهرون بالباطل وكأنهم أوصياء على الحقيقة.
يرون أنفسهم “الأعلون”، لا يسمعون أنين الفقراء، ولا يرون دمعة المقهورين. يستبيحون اللقمة من أفواه الجائعين، ويضيقون على الخلق ما وسعت الأرض، وكأنهم خُلقوا ليكونوا آلهة الأرض.هؤلاء، لا يجدي معهم النصح، ولا تنفع معهم الكلمات الناعمة.
إنهم بحاجة إلى ما يسميه البعض “البيزوطاج”، لا باعتباره عبثًا أو إذلالًا، بل كعملية تطهير من درن النفس وغرور السلطة واستبداد الطبع.
قد يحتاجون إلى غمرٍ في وحل الحقيقة، وإلى دلوٍ من ماء الوعي، وإلى لطمة من ضمير حيّ لتنكسر أنوفهم المرتفعة كاذبًا، وتلين رقابهم للعدل.
لكن، أيها الأحرار، لا تظنوا أن الحل في التشفي أو الانتقام. إن البيزوطاج الحقيقي ليس في المستنقعات، بل في الصناديق.
يوم تُفتح أبواب الاقتراع، تكون الفرصة سانحة لنغسل الوجوه.. من دنس الاستبداد. هناك، لا نحتاج إلى وحل، بل إلى وعي. لا إلى سياط، بل إلى أقلام.
لا يجب أن يتولى الشأن العام إلا المتطهرون، من عرفوا معنى أن تكون مسؤولًا لا سيدًا، أن تخدم لا أن تستبد، أن تحب الناس لا أن تحتقرهم.
الوطن لا يُبنى بالجعجعة ودغدغة المشاعر بالترھات، بل بالعدل. ولا يُدار بالعصا، بل بالحكمة.فلنجعل من كل استحقاق انتخابي، لحظة تطهير جماعي، نغسل بها ما علق ببلادنا من دنس الطمع، وفساد الضمائر، وتكلس العقول.
فلنقل لهم، بهدوء الحكمة وحدة الضمير: لن يكون بيننا إلا من يحني رأسه أمام كرامة الناس، لا من يُرغمهم على الخضوع له.



