
بقلم: الطيب دكار(صحفي وكاتب)
– تـاريخ مجيد
تعيش الصحافة المغربية أزمة استثنائية لم تشهد لها مثيلا منذ استقلال البلاد. فخلال سنوات السبعينيات والثمانينيات وحتى التسعينيات، وخاصة في سياق كانت فيه الأحزاب السياسية الوطنية قوية وذات امتداد شعبي، تحلت الصحافة الحزبية بالجرأة ولم تفرض على نفسها قيودا، باستثناء النظام الملكي.
فقد كانت الأحزاب الوطنية تدعو عبر صحافتها إلى مقاطعة الانتخابات، وتقوم بحملات تحت هذا الشعار. وبالأمس فقط – كما يتذكر الجميع – كان عبد الصمد بن الشريف يستقبل ضيوفا مميزين على القناة الثانية، يقاربون النقاش بكثير من الحيطة والحذر.
كما كان مصطفى العلوي يسير على القناة العمومية الأولى نقاشات ساخنة تضاهي النقاشات الكبيرة التي نراها على قنوات دولية . وكانت الإعلامية الراحلة مليكة ملاك تناقش مع ضيوفها في برامجها الحوارية في ” دوزيم ” قضايا تستأثر باهتمام المشاهدين .
وكان خالد الجامعي، من جانبه، رجلاً مميزا ً، يتحدى أقوى الشخصيات في البلاد في ذلك الوقت. وأعتذر عن عدم ذكر أسماء آخرين ، وهم كثر.وأمتنع أيضاً عن استحضار تجربة رائدة وقصيرة، بلا شك، عاشتها الصحافة المغربية سنة 2000، لكن تم احتواءها بسرعة لأنها كانت خارج زمانها وسياقها.
– دعم الصحافة يرافقه التراجع
ولكن ما الذي حدث حتى أصبحنا اليوم في وضع لم يعد فيه مكان للنقاش العام حول همومنا الرئيسية ، أو أصبح له مكان محدود للغاية في الصحافة المكتوبة وعلى قنواتنا التلفزيونية ؟ من المؤكد أن الأحزاب السياسية الوطنية واليسارية فقدت قدراً كبيراً من شعبيتها وبريقها .
وطال هذا التراجع الصحافة الحزبية والصحافة المستقلة . وقد تفاقمت الظاهرة بسبب وباء كوفيد19، وكانت تداعياتها وخيمة على الصحافة المغربية . وخيمة بمعنى أن الدعم الحكومي المقدم للصحافة المغربية، على الرغم من أنه وظف في أداء رواتب الصحفيين لعدة سنوات، إلا أنه، بالمقابل ، كان له تأثير سلبي على الخط التحريري للصحف، التي يبدو أنها تماهت إلى حد كبير مع مهمة الخدمة العمومية.
ولهذا السبب لم تحظ بعض الفضائح سوى بمساحات اهتمام ضئيلة في هذه الصحافة على الرغم من تورط قسم من الطبقة السياسية في هذه الفضائح .
إن الصمت قد يصبح شعار هذه الصحافة، التي ترفع مع ذلك، وفي هذه الظروف ، شعار الاستقلالية والحرية، ومع أن كعكة الدعم لم يتم تقسيمها بشكل عادل بين جميع فئات القطاع، لأسباب مختلفة، وأحيانا قانونية.
وإضافة إلى ذلك ، تثير الرواتب المدفوعة للعاملين في الصحافة الخاصة في المغرب منذ عام 2019 بعض التساؤلات الخطيرة الأخرى، حيث يقال إنها تكون، في بعض الأحيان ، أعلى من تلك التي يدفعها القطاع العام (الصحافة المكتوبة) لصحفييه. فهذا أمر غير عادل بكل تأكيد .
وقد كان هؤلاء الصحفيين يتمنون الحصول على رواتب كوفيد-19، بشكل مؤقتً، لتحسين أوضاعهم. -الإعانات وتوزيع الصحف يسيران في اتجاهين معاكسين تبلغ قيمة الإعانات الحكومية المقدمة لقطاع الصحافة مليارات الدراهم ، في الوقت الذي تراجع توزيع الصحف إلى أدنى مستوى له وهو 15 ألف نسخة يوميا.
ومن باب الأمانة ، لا بد من الاعتراف بأن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الجديدة (الهاتف المحمول، وأجهزة الكمبيوتر الصغيرة، والبرمجيات، وأجهزة المودم، وشبكات التواصل الاجتماعي) كان لها بالتأكيد آثار سلبية على توزيع الصحافة المكتوبة، ولكن أيضًا على وسائل الإعلام السمعي والبصري في المغرب، على الرغم من أن نسب المشاهدة في المغرب تقاس فقط بالفولكلور. إن هذا الوضع مثير للقلق .
فقد كانت نسبة القراءة في المغرب منخفضة أصلا ، فازدادت اليوم انحدارا نحو الحضيض ، حيث وصلت إلى 15 ألف نسخة يوميا. وهذا الرقم لا يصل إلى مستوى رقم توزيع صحيفة واحدة في دولة عربية أخرى. وأرى أن سعر الصحف لا يفسر هذا التراجع المخيف . فالمحتوى والخط التحريري هما اللذان يثيران التساؤلات اليوم.
– مجلس وطني “إداري”
كنت ، منذ الوهلة الأولى ، من بين الذين عارضوا تأسيس مجلس “إداري” للصحافيين المغاربة، حيث طالبت بانتخاب مجلس مستقل، يسير نفسه بنفسه، كما هو الشأن في جميع أنحاء المعمور ، حتى نؤسس هيئة ذات مصداقية في الداخل والخارج ولن ينعتنا زملاؤنا بالمجلس الإداري الذي تصرف الدولة أجور مسيريه.
إن الإعانات الحكومية التي تمنح للقطاع لم يكن من نتائجها فقط فرض صمت مهني يكاد يكون عاما ، وحظر النقد إلى حد ما، بل إن السلطات العمومية ـ وهو الأمر الأكثر خطورة ـ فرضت على الصحافيين هيئة “إدارية” تمثيلية للصحافيين.
وبذلك، تحول أعضاء المجلس إلى موظفين حكوميين مدفوعي الأجر . ويطالب بعض هؤلاء اليوم بالحفاظ على مناصبهم، من خلال الدعوة، ليس إلى تنظيم الانتخابات، بل إلى التعيينات الرسمية، لتمديد ولاياتهم.
إن هذه الهيئة التي تسمى “المجلس الوطني للاتصال” لا وجود لها ، في شكلها المغربي، في أي بلد آخر. فقد جرت العادة أن يتم انتخاب هذه الهيئة من قبل الجسم الصحفي وأن لا يتقاضى أعضاؤها أي أجر.
إن المفارقة واضحة، فجميع المهن الأخرى (المحامون، الموثقون، الأطباء، المهندسون المعماريون، المهندسون) تنتخب هيئات مهنية للدفاع عن المهنة ومصالحها، باستثناء الصحفيين، الذين يتم التعامل معهم كما لو كانوا قاصرين، لابد من مساعدتهم من طرف قاض ومحام.
وكان وزير الاتصال السابق الإسلامي مصطفى الخلفي، الذي كان مديرا لصحيفة حزب العدالة والتنمية التي لم تكن تطبع أكثر من ثلاثة آلاف نسخة يوميا، قد قرر إنشاء هذا المجلس “الإداري” الذي يصبح أعضاؤه، بسبب وضعهم “الرسمي” هذا يدافعون ، في أغلب الأحيان ، عن وضعهم عوض الدفاع عن زملائهم الصحفيين.
إن مجلسا منتخبا مستقلا لن يقبل بأن يقوم بذلك أبدا.والأمر الأكثر سخافة في كل هذا هو أن قيادة المجلس تحاول بكل الوسائل الحفاظ على وضعها وإدامة امتيازاتها. فلم يتم تجديد المجلس في المرة الأولى ، ثم للمرة الثانية وربما مرة أخرى… في غشت المقبل.
والأخطر من ذلك كله هو أن وزارة الاتصال فوضت له تنظيم الانتخابات وإصدار البطاقات الصحفية التي ارتفعت من 1300 بطاقة عندما كان الأمر بيد الوزارة إلى ما يقارب 4000 بطاقة اليوم.
هل ساهم هذا المجلس فعلا في تنظيم المهنة؟ أنا أشك في ذلك.
– الإصلاح لا يزال ممكنا
لا أعتقد أن الأوان قد فات بالنسبة للمهدي بنسعيد، الذي تحذوه عزيمة قوية ، لتصحيح الوضع ، لا سيما وأن المجلس ليس من صنعه ، وللعودة إلى التفكير في إنشاء مجلس منتخب من قبل الجسم الصحافي ومتمتع بالاستقلالية الكاملة. ويتعين كذلك إعادة النظر في قضية بطاقات الصحافة، التي هي من صلاحيات السلطات العمومية ، علما بأنه يمكن للمجلس المنتخب ديمقراطيا أن يصدر بطاقاته الخاصة.
ولا شك في أن تنظيم أيام دراسية حول الصحافة المغربية سيكون مناسبة لمناقشة كل هذه المواضيع، عشية كأس الأمم الأفريقية وفي أفق كأس العالم.
إن الصحافة المغربية، العمومية والخاصة، مطالبة بأن تكون في مستوى هذه التحديات الكبرى على المستوى المهني، تماما مثل وسائل الإعلام السمعية البصرية.
فلا يمكنا الذهاب إلى كأس العالم بنشرات أخبار تلفزيونية متخلفة عن السياق الإعلامي العالمي. وربما يتعين علينا أيضاً التفكير في إنشاء قناة تلفزيونية ناطقة باللغة الإنجليزية ( ميدي 1 ) ، في أسرع وقت ممكن لبلوغ البلدان الناطقة باللغة الإنجليزية، وخاصة في الجزء الجنوبي من إفريقيا.
ولا يبدو لي أن المقاربات المعتمدة حتى الآن، بما فيها المتعلقة بالصحفيين الرياضيين، عملية ومقنعة أو حتى احترافية.



