Hot eventsأخبارأخبار سريعةإفريقياالعالم

الجزائر تحت وطأة النفط الرخيص

يواجه الاقتصاد الجزائري تحديات وجودية في ظل الهبوط الحاد لأسعار النفط إلى ما دون عتبة الستين دولارًا للبرميل في ماي 2025، وهو مستوى لم تشهده الأسواق العالمية منذ سنوات. هذا الانخفاض، الذي جاء نتيجة لتضارب السياسات بين كبار المنتجين، وتأثيرات الحرب التجارية، والتوجه المتزايد نحو الطاقة المتجددة، يمثل ضربة قاسية لدولة تعتمد بشكل شبه كلي على عائدات النفط.

قرار منظمة “أوبك+” المفاجئ بزيادة الإنتاج في ماي 2025، بواقع 411 ألف برميل يوميًا، فاقم حالة العرض الزائد في الأسواق العالمية، تزامنًا مع ضعف الطلب الناتج عن التوترات التجارية والجيوسياسية. وتُشير تقارير “أوبك” إلى أن هذه الخطوة تهدف إلى استعادة الحصص السوقية في مواجهة الإنتاج الأمريكي المتصاعد من النفط الصخري.

في المقابل، تُظهر بيانات البنك الدولي تراجعًا بنسبة 7% في الطلب العالمي على النفط خلال العام الماضي، مدفوعًا بالتحول نحو الطاقة النظيفة وتراكم المخزونات. هذا الوضع يضع الجزائر، التي تعتمد على النفط بنسبة 98% من صادراتها، في قلب أزمة حقيقية.

وتُساهم الطفرة الأمريكية في إنتاج النفط الصخري، الذي وصل إلى 13 مليون برميل يوميًا في 2025 وفقًا لوكالة الطاقة الأمريكية EIA، في زيادة فائض المعروض العالمي، مما يقلل من قدرة “أوبك+” على التحكم في الأسعار ويُعمق أزمة الدول النفطية الصغيرة.

وتُشكل عائدات النفط نحو 65% من ميزانية الدولة الجزائرية، ويهدد الهبوط إلى 59 دولارًا للبرميل بتقليص الإيرادات بنسبة 30% مقارنة بعام 2024، مما يُعيق قدرة الحكومة على تمويل القطاعات الحيوية. وتتجلى مؤشرات الأزمة في تراجع الاحتياطي النقدي إلى أقل من 40 مليار دولار، وتوقع تجاوز عجز الميزانية 15% من الناتج المحلي الإجمالي بنهاية 2025، وارتفاع الدين العام إلى 70 مليار دولار مع محدودية فرص الاقتراض.

كما يُفاقم ارتفاع معدل البطالة في الجزائر إلى أكثر من 18% في 2025، مع تركز النسبة بين الشباب بنسبة 35%، المخاطر الاجتماعية، خاصة مع تقليص الإنفاق على البرامج الاجتماعية.

وبينما تمتلك دول مثل السعودية وروسيا القدرة على امتصاص صدمة الأسعار بفضل احتياطياتها الضخمة، تجد الجزائر نفسها ضعيفة التأثير في قرارات “أوبك+” بسبب محدودية إنتاجها الذي يقل عن مليون برميل يوميًا، وفقدانها التدريجي لنفوذها داخل المنظمة.

ويُعد غياب صندوق سيادي قوي على غرار النموذج النرويجي، الذي يمتلك أصولًا بقيمة 1.4 تريليون دولار من عائدات النفط، من أبرز الأخطاء الاستراتيجية التي حرمت الجزائر من وسيلة لمواجهة تقلبات الأسعار.ويُعد تنويع الاقتصاد ضرورة ملحة، لكنه يواجه عقبات كبيرة تتمثل في البيروقراطية والفساد، وهروب الاستثمارات الأجنبية، والاعتماد الكبير على الواردات. كما أن قطاع الطاقة المتجددة، رغم الإمكانات الهائلة، لا يزال مهمشًا.

كما يُقلل التحول العالمي نحو الطاقة النظيفة، المدعوم باستثمارات ضخمة من دول الاتحاد الأوروبي، من الطلب على النفط التقليدي، مما يُعمق أزمة الجزائر التي تفتقر إلى البنية التحتية التكنولوجية اللازمة لمواكبة هذا التحول.
وفي نفس السياق يُعيق نمو القطاع غير الرسمي، الذي يمثل 40% من الناتج المحلي الإجمالي، جهود التخطيط الاقتصادي ويُقلل من إيرادات الضرائب.

هده الأزمة الاقتصادية أدت إلى توتر العلاقات مع الشركاء التقليديين وتفضيل روسيا للتعاون مع دول الخليج ذات الإنتاج الأعلى، مما يضع الجزائر في موقف هش في السوق العالمية.

وتشير التوقعات إلى سيناريوهات مقلقة للاقتصاد الجزائري في ظل استمرار انخفاض أسعار النفط، بما في ذلك تفاقم الدين العام وازدياد الاضطرابات الاجتماعية، ما لم يتم تبني خطة إصلاح شاملة مدعومة بتمويل دولي.
ولتجنب مصير دول أخرى معتمدة على النفط، يتعين على الجزائر اتخاذ إجراءات عاجلة لإصلاح نظام الدعم، وتشجيع ريادة الأعمال، وتعزيز التعاون الدولي في قطاعات التكنولوجيا والطاقة المتجددة، قبل فوات الأوان.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button