جمعية العناية بفاس..قلوب تنبض بالخير في صمت الأزقة الفقيرة

فاس/ حنان الطيبي
حين يتكلم الصدق بلسان المبادرة يولد النور في عتمة الظلام، فيختلط الأمل بالعمل، وتلتحم الأيادي من أجل من لا صوت لهم، تولد المعجزات بصمت.., ففي مساء دافئ من يوم الأحد 4 ماي 2025، بزغ في حي طارق بمدينة فاس ضوء خافت، لكنه صاف، اسمه “جمعية العناية”، لم يكن الحدث مجرد افتتاح رسمي، بل كان لحظة ولادة روح جماعية، ارتفعت فيها مشاعر العطاء فوق كل حسابات الزمن والمكان.
تحت إشراف نساء ورجال نذروا أنفسهم للخير، أمثال نجية فيلالي معساوي وفوزرية قريش وخالد ودغيري، احتفل الحي بميلاد فكرة حملها الأمل طويلا قبل أن تجد لنفسها جسدا وقلبا ينبض.

الافتتاح لم يكن طقوسا فارغة، بل نفحة من الروحانية الصادقة؛ افتتح بآيات من الذكر الحكيم، ثم علا صوت الحاضرين بالنشيد الوطني، لتنطلق رصاصات الكلمات لتحديد اهداف الجمعية بسد العوز والاحتياج بقدر المستطاع لفائدة الفئات الهشة أطفالا وشبابا ومستين كل حسب احتياجاته ووضعيته وظروفه الحياتية.
ما بين الحلم والضرورة تشكلت “جمعية العناية”، فهي ليست جمعية مؤسسة على ورق، بل هي امتداد طبيعي لمسار من البذل الخفي، حيث كان أعضاؤها يزرعون الخير في صمت، يتنقلون بين البيوت المتعبة في رمضان، يحملون قففا كريمة تزخر بمتطلبات رمضان مرفقة بابتسامة مملوءة بالمحبة، ويزينون ليالي الأطفال بحناء وابتسامات لا تشتريها الأموال.

نجية فيلالي معساوي، بصوتها المختلط بالدموع، قالت إن هذه الجمعية ولدت من رحم الألم، من قصص العجزة الذين فقدوا البسمة بسبب العوز والمرض، ومن دموع أطفال تنتظرهم الشوارع بعد انقطاع المسار الدراسي، أما خالد ودغيري، فاعتبر أن التحول من العمل الفردي إلى المبادرة الجماعية كان ضروريا ولا بد منه لأن الخير حين ينظَّم يثمر أكثر وان شرف المحاولة هو او خطوة في مشوار الألف ميل، لذلك فلا تتعجب من بذور الخير حين تطرح غابات من اشجار الحب والعطاء . وأضافت فوزية قريش، بتأثر شديد، أن عيون الأطفال حين تلمع من فرحة هدية متواضعة، تشهد على أن التعاون الحقيقي ومبادرات الخير لا تقاس بالمادة فقط بل أيضا بالنية وصفاء القلب.
ليست أهداف الجمعية تقليدية، بل تنبع من وعي عميق بما يحتاجه الإنسان ليحيا بكرامة: أدوية طبية مجانية وتدريب مهني يفتح أبواب المستقبل وورشات تحمي الشباب من الفراغ القاتل، ومبادرات حقيقية لمحاربة الهدر المدرسي ومساندة من تجاوزهم قطار الرعاية؛ من قلب فاس ..هي احلام كبيرة بقلوب أكبر، بل هي دعوة الضمير ورسالة تأسيس لوعي جديد.
لم يكن ختام الحفل إلا فاتحة لعهد جديد، حيث لم تكن الكلمات مجرد وعود، بل كانت عهدا على أن لا يترك مسن مريض ولا ينسى طفل محتاج ولا يضيع شاب غافل. جمعية العناية تقول اليوم لكل من يسمع: “لسنا موسميين، بل صوت متصل للإنسانية… نحن نبني وطنا من الداخل، من القلب، من التضامن.”



