الدبلوماسية الملكية المغربية.. قوة ناعمة ترسّخ السيادة وتُعزز التنمية الشاملة

في خضم التحولات الجيوسياسية المتسارعة التي يشهدها العالم، برزت الدبلوماسية الملكية المغربية كإحدى الركائز الأساسية التي أعادت تشكيل موقع المملكة على الساحة الدولية، تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك محمد السادس نصره الله. فقد اعتمد المغرب، في العقدين الأخيرين، على نهج دبلوماسي استباقي، متوازن وشامل، يجمع بين صلابة الموقف وثبات السيادة، وبين مرونة التواصل وذكاء العلاقات، مما ساهم في تكريس مكانته كفاعل محوري في القارة الإفريقية والعالم العربي وعلى الساحة الدولية.
– قضية الصحراء المغربية: أولوية دبلوماسية
من أبرز محاور هذه الدبلوماسية الملكية، تَصدُّر قضية الصحراء المغربية لجدول الأعمال السياسي والدبلوماسي. فقد نجح المغرب، بفضل التحركات المكثفة والتنسيق الدقيق بقيادة جلالة الملك، في تغيير قواعد اللعبة دوليًا، حيث أضحت مبادرة الحكم الذاتي المقترحة من طرف الرباط تُعتبر حلًا جديًا وواقعيًا ويحظى بدعم متزايد من قوى كبرى ومؤثرة، منها الولايات المتحدة، إسبانيا، ألمانيا، وهولندا وغيرها. كما واكبت هذه الانتصارات جهود تنموية كبرى في الأقاليم الجنوبية، جعلت من الداخلة والعيون مراكز جذب اقتصادي واستثماري إفريقي.
– عودة قوية إلى إفريقيا
شكلت العودة التاريخية للمغرب إلى الاتحاد الإفريقي سنة 2017 خطوة دبلوماسية محورية، تجسد بوضوح رؤية الملك محمد السادس الرامية إلى تموقع جديد داخل العمق الإفريقي. هذه العودة لم تكن شكلية أو ظرفية، بل جاءت محمّلة بمشاريع استثمارية كبرى واتفاقيات تعاون ملموسة في مجالات حيوية كالفلاحة، الطاقة، الأمن الغذائي، الصحة والتعليم، مما عزز صورة المغرب كحليف موثوق وفاعل تنموي ملتزم تجاه القارة.
– تنويع الشراكات الاستراتيجية
لم تقتصر الدبلوماسية الملكية على الفضاء الإفريقي، بل شهدت السنوات الأخيرة تنويعًا كبيرًا في الشراكات الاقتصادية والسياسية، مع دول الخليج، الاتحاد الأوروبي، أمريكا اللاتينية، وآسيا. سياسة الانفتاح المتوازن هذه مكّنت المملكة من تعزيز استقلالية قرارها السياسي، وتنويع مصادر الاستثمار والتعاون، وخلقت فرصًا جديدة للنمو في مجالات الطاقات المتجددة، البنيات التحتية، والصناعة.
– قوة ناعمة بامتياز
إلى جانب البعد السياسي والاقتصادي، تُعد الدبلوماسية الثقافية والدينية أحد أبرز أدوات القوة الناعمة المغربية. فالمملكة، باعتبارها بلدًا إسلاميًا معتدلًا، تضطلع بدور ريادي في محاربة التطرف ونشر قيم التسامح، من خلال مؤسسات مثل معهد محمد السادس لتكوين الأئمة. كما تروج للثقافة المغربية عبر العالم، مما يسهم في بناء صورة إيجابية للمغرب في الخارج.
إن الدبلوماسية الملكية المغربية اليوم ليست مجرد تحرك خارجي كلاسيكي، بل هي مشروع استراتيجي متكامل يُسهم في ترسيخ السيادة الوطنية، والدفاع عن القضايا الحيوية، وخلق دينامية تنموية شاملة، في انسجام تام مع التوجيهات الملكية السامية. إنها نموذج يحتذى في كيفية توظيف الدبلوماسية كأداة لبناء القوة والنفوذ، وتحقيق التنمية والانفتاح دون التفريط في الثوابت.