أخبارالذكاء الاصطناعي AIالرئيسيةفي الصميم

الذكاء الاصطناعي في المغرب..تأخّر مبرمج أم خوف من وعي المواطن؟

أثار استغرابي، بل واستغراب الكثير من المتابعين، تصنيف المغرب ضمن مرحلة “النضج المبكر” في رقمنة الخدمات الحكومية، إلى جانب دول تشهد حروبًا مدمّرة وانهيارًا مؤسساتيًا كاليمن وسوريا.

هذا التصنيف، الذي ورد في تقارير دولية حديثة، لا يمكن المرور عليه مرور الكرام، لأنه يكشف بوضوح حجم الهوة بين الخطاب الرسمي والواقع الرقمي المعيش.

بقلم: د. مهدي عامري
خبير في الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي
أستاذ باحث بالمعهد العالي للإعلام والاتصال، الرباط

فكيف لبلد يُفاخر باستقراره السياسي، ويدّعي الريادة الرقمية في القارة الإفريقية، أن يتأخر رقميًا إلى هذا الحد؟ أهو نقص في الكفاءات؟ أم عجز في الإمكانيات؟ أم أن هناك إرادة خفية في إبقاء المغرب في ذيل التصنيفات، رغم توفره على كفاءات تُنافس في كبريات شركات التكنولوجيا العالمية؟في الواقع، لا يُعاني المغرب من فقر في المهارات ولا من ندرة في المواهب.

مهندسونا متفوقون في شركات مثل “ميتا” و”غوغل”، وخريجو جامعاتنا رغم التهميش، يبرعون في مجالات الذكاء الاصطناعي والبرمجة والتحليل الرقمي. لكن التقدم في هذا المجال لا يتوقف عند العوامل التقنية، بل يتطلب قبل كل شيء إرادة سياسية تؤمن بالمواطن، وتراهن على وعيه، لا على تغييبه.إن تأخّر الرقمنة في المغرب ليس عشوائيًا، بل يبدو – للأسف – مبرمجًا. لأن أدوات الذكاء الاصطناعي حينما توضع بين يدي المواطن الواعي، تتحول إلى أدوات مساءلة ونقد ومراقبة. الهاتف الذكي قد يصبح برلمانًا صغيرًا، والمعلومة قد تتحول إلى سلاح ضد التعتيم والفساد، والخوارزميات قد تفضح اختلالات التسيير وتعيد ترتيب الأولويات.في المقابل، ما نراه هو استثمار في الصورة بدل الجوهر. انها حداثة الواجهة التي تُروّج لمشاريع رقمية في المؤتمرات الدولية، بينما واقع الإدارة المغربية لا يزال يتخبط في الورق، والرشوة، وبطء الخدمات. و هكذا فان المواطن المغربي، في القرن الحادي والعشرين، لا يزال يُجبر على التنقل بين المقاطعات للحصول على شهادة الحياة، في وقتٍ باتت فيه دول أخرى تُحدث بيانات مواطنيها عبر تطبيقات لا تتطلب سوى بضع نقرات.

ان هذا الواقع يكشف أكثر من مجرد تأخر إداري. إنه يعري نية سياسية مبيتة تُفضّل بقاء المواطن في جهل رقمي مبين، وتمنع عنه أدوات التمكين.

فكلما تراجعت الرقمنة، سهل التحكم في القطيع، وكلما غاب الوعي، أمكن تمرير السياسات دون رقيب ولا حسيب.فهل يُعقل أن نقارن رقميًا بدول تعيش الحروب، ونحن ننعم بالسلم؟ ما العذر؟ أين هي مخرجات “الاستراتيجيات الرقمية” التي نُسوّقها منذ سنوات؟ ولماذا لم نغادر بعدُ، منذ الاستقلال الى اليوم، مرحلة “التجريب” رغم كثرة التصريحات والميزانيات المرصودة؟إن النهضة الحقيقية لا يمكن أن تقوم دون ثورة رقمية شاملة، تبدأ بإرادة سياسية صادقة، وتُترجم إلى قرارات تُمكّن المواطن وتفتح أمامه أبواب المعرفة والشفافية.

فالرقمنة ليست مجرد تحديث للأنظمة، بل هي معركة نبيلة ضد العقلية الفاسدة. انها رافعة للعدالة، ومدخل للمحاسبة، وأداة لبناء مجتمع مشارك ومسؤول.الخطر، إذا، ليس في التكنولوجيا، بل في من يخافها.

في من يرى في المواطن تهديدًا لا شريكًا، وفي من يُؤْثر التجهيل على التمكين. هؤلاء لا يريدون أن يستفيق المغربي، بل أن يظل نائمًا في مستنقع الجهل الرقمي، يستهلك ولا يُنتج، يتلقى ولا يُحلل، يصفّق ولا يُسائل.

ان المستقبل لا يُصنع بالشعارات. والمغرب الرقمي الحقيقي لا يُبنى على واجهات المؤتمرات، بل على أرض الواقع: في المدرسة، في المستشفى، في الإدارة، وفي كل بيت مغربي.

وختاما، يبقى السؤال التالي يفرض نفسه: هل نملك الشجاعة لبدء هذه الثورة الرقمية الضرورية؟ أم سنظل نُزيّن جدران الواقع بالمصطلحات ونركض خلف تصنيفات زائفة، فيما يسبقنا الزمن، ويتشكل من دوننا العالم الجديد ؟

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button