أخبارالرئيسيةقضاء وقانون

بلاغ رئيس جمعية هيئات المحامين: بين الدفاع عن الوحدة وضرورة الإنصات للاختلاف

في لحظة وصفها بـ”الدقيقة والمفصلية”، اختار رئيس جمعية هيئات المحامين بالمغرب أن يتوجه إلى زميلاته وزملائه ببلاغ يروم تعبئة الصفوف، وتحصين الجسم المهني، وتجديد الثقة في آليات الحوار المؤسساتي.

بلاغ يتسم بقوة العبارة ورصانة التوجه، ويستحق أن يُقرأ لا فقط من زاوية رسالته المباشرة، بل أيضًا من منظور حقوقي يُضيء خلفياته ويختبر رهاناته.

بقلم:ذ. زهير أصدور
محام بهيئة المحامين بالرباط

يبدو جليًا أن الجمعية تُراهن على خيار الحوار المنتظم مع مؤسسات الدولة باعتباره مدخلًا لتحقيق مطالب المحاميات والمحامين، وصون استقلال المهنة، وتعزيز أدوارها داخل منظومة العدالة. وهو رهان يُحسب لها في زمن الاستقطابات، ويعكس نضجًا في إدارة العلاقة مع الفاعلين العموميين، لا سيما أن البلاغ يُبشر بنتائج إيجابية وشيكة ستنعكس على شروط الممارسة المهنية.

غير أن البلاغ لم يُخف قلقه من بعض “محاولات التشويش”، التي يصفها بـ”العدوان على وحدة المهنة”، دون أن يُميز بدقة بين ما هو تشويش عدمي، وما هو اختلاف مشروع.

وهنا تبرز الحاجة إلى التأكيد – من موقع حقوقي – على أن النقد الداخلي والتعدد في الرأي هما جزء من دينامية المهنة، وليس بالضرورة تهديدًا لوحدتها. فشرعية التمثيل لا تكتمل إلا بشرعية الإنصات، والقرار الجماعي لا يستقيم دون فضاء تعددي يسمح بالنقاش الحر والمسؤول.

لقد وضع البلاغ المؤتمر الوطني المقبل في مرتبة “اللحظة التأسيسية”، واعتبره مناسبة لترسيخ قيم المهنة والانطلاق في ورش إصلاح مؤسساتها. وهو رهان طموح ومطلوب، بشرط أن يُدار بمنطق تشاركي، يضمن التعبير عن كل الحساسيات، ويُؤسس لميثاق ثقة جديد بين القاعدة والقيادة.

إن الدفاع عن وحدة المهنة واستقلال قرارها لا يجب أن يُقرأ كدعوة إلى الانغلاق، بل كالتزام جماعي بتطوير أدوات الحوار الداخلي، ومأسسة الاختلاف، وتوسيع الهامش الديمقراطي داخل المؤسسات التمثيلية للمحامين. لأن “صوت المهنة”، كما ورد في البلاغ، لن يكون قويًا إلا إذا كان جامعًا، لا يُقصي، ولا يُخوّن، ولا يُشيطن الاختلاف.

بهذا المعنى، فإن بلاغ رئيس الجمعية يفتح الباب، ليس فقط لمرحلة جديدة من الحوار مع الدولة، بل أيضًا لمراجعة داخلية هادئة، تنطلق من إيمان عميق بأن البيت المهني المتماسك هو الذي يتسع لكل أبنائه، بمواقفهم المتنوعة، وآرائهم المختلفة، وحرصهم المشترك على الكرامة والاستقلال والعدالة.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button