“حين تعانق الذاكرة قلوب الأحفاد… لحظة وداعٍ لا تنسى”

بقلم الاستاذ: مولاي الحسن بنسيدي علي
تعلّق قلبي بحبّكم، لأنكم أنتم نبضه، بل أنتم كلّه إن لم أقل بعضه. بوجودكم أتنفّس الحياة بكل عبيرها، وأتلمّس الجمال في أبهى صوره، أنتم انعكاس طفولتي التي تسلّلت من بين يدي، ودفء شبابي الذي انزوى على رصيف الأيام.
ما أجمل أعينكم حين تبرق بالدهشة، وما أعذب ضحكاتكم حين تملأ أركان قلبي بهجة لا توصف. حين تلتفون حولي، تستمعون إلى حكاياتي، وتتسابقون لتسألوا، لتضحكوا، لتحتضنوا، أراكم وكأنني أرى نفسي في مرايا الزمن. في نزقكم المحبّب، في أسئلتكم الطفولية، في ضحكاتكم التي تُحسن ترويض قلبي المتعب، وفي لمساتكم التي تعيد الحياة إلى عروقي.
كم نمتُ وأنا أشعر بقلوبكم الصغيرة تنبض حولي، دعواتي تظلّلكم، وأنفاسي تغمركم حبًّا، وأصحو على قبلاتكم الرقيقة فوق جبيني، وكأن الحياة توقفت لتُكرّس لحظة حنان أبدية لا تزول.
وحين يقترب وقت الرحيل، تتكاثف الغصّات في صدري، أحاول أن أبدو قويًا أمامكم، أن أضحك لأخفي ضعفي، وأخبئ دمعي كي لا تفضحني عيوني. أتهرّب من وداعكم، فالفراق معكم يشبه انتزاع القلب من بين الضلوع.
أغادر وفي داخلي عاصفة من الشوق، تجتاحني الطائرة في صعودها، ويتعلّق بصري بالسحاب، وكأنّي أريد أن أبقى هناك، في بيت الضحكات الصغيرة، في زوايا ذكرياتكم وفي مدينة الجمال فالينسيا التي أنتم أزھارھا، في أصواتكم وأنتم تنادونني “جدي بّا”. أتساءل: هل كانت تلك الأيام التي قضيتها بينكم وبين لمة اصدقائي حلمًا جميلاً؟ أم سحابة صيف عبرت سريعًا؟
إنها رحلة الإنسان يا صغاري، قصيرة وإن طالت، سريعة وإن طمأنها الوصل. لكن ما تبقى في القلب من دفئكم، هو الزاد الحقيقي لهذه الرحلة، وهو الوطن حين تتفرّق الأوطان.



