المؤتمر الوطني 32 للمحامين بطنجة: المحاماة في قلب منظومة العدالة وتحديات الإصلاح والتحديث

بقلم: زهير أصدور
انطلقت زوال اليوم الخميس 15 ماي 2025 بمدينة طنجة أشغال المؤتمر الوطني العام الثاني والثلاثين لجمعية هيئات المحامين بالمغرب، تحت شعار: “المحاماة فاعل محوري وشريك أساسي في منظومة العدالة”، وذلك بمشاركة واسعة لمئات المحاميات والمحامين من مختلف هيئات المملكة، وبحضور رسمي ووازن لممثلي السلطتين القضائية والتنفيذية، وعدد من الوفود الأجنبية التي تمثل هيئات ومنظمات مهنية دولية.
طنجة تحتضن لحظة وعي مهني
افتُتحت أشغال المؤتمر بكلمة نقيب هيئة المحامين بطنجة، الأستاذ أنور بلوقي، الذي رحّب بالمشاركين، معبّراً عن رمزية احتضان مدينة طنجة لهذا الحدث الوطني، باعتبارها جسراً حضارياً بين ضفتي المتوسط.
وأكد بلوقي أن المؤتمر يشكل “لحظة وعي مهني وجماعي تستوجب تجديد العهد مع المبادئ التي صنعت مجد المهنة”، مبرزاً أن المحاماة ليست فقط مهنة دفاع، بل دعامة مؤسساتية لحماية الحقوق والحريات، يتجاوز دورها الممارسة التقنية داخل المساطر إلى بعدٍ قيمي وحقوقي يرسخ دولة الحق والقانون.
محمد عبد النباوي: المحاماة صوت الضمير الحقوقي
في مداخلة عميقة، أكد محمد عبد النباوي، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، أن المحاماة تمثل ركناً بنيوياً في تحقيق العدالة، وليست مجرد طرف في المنازعات. ووصفها بأنها “صوت الضمير القانوني ولسان القيم الحقوقية”، مشدداً على أن العدالة ليست فقط مفهوماً قانونياً، بل قيمة إنسانية سامية، تجسّد شعور المواطن بالأمان والكرامة والمساواة أمام القانون.
وأشار عبد النباوي إلى التوجيهات الملكية السامية الداعية إلى ضرورة توحيد القيم السلوكية، والارتقاء بالتكوين المستمر، ومواكبة التحولات الرقمية، مع الحرص على التوفيق بين احترام الحريات وصيانة النظام العام في ظل سيادة القانون واستقلال السلطة القضائية.
كما دعا إلى الاعتراف الفعلي بالدور الحيوي الذي تضطلع به المحاماة في نجاعة المنظومة القضائية.
هشام بلاوي: منطق التكامل بدل التنازع
من جانبه، دعا هشام بلاوي، الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض ورئيس النيابة العامة، إلى تجاوز منطق التنازع بين مكونات العدالة، واعتماد منطق التكامل والثقة المتبادلة، خاصة بين جهاز الدفاع والنيابة العامة.
واعتبر أن استقلال المحاماة يشكّل مكوناً رئيسياً في بناء المحاكمة العادلة، وأن المرافعة امتداد لقيم المواطنة، ودور المحامي لا يُختزل داخل القاعات بل يمتد إلى الفضاء العام كمعبّر عن وعي قانوني واجتماعي.
وأكد بلاوي أن تعزيز الثقة بين مختلف الفاعلين القضائيين هو مفتاح النجاعة القضائية، ودعا إلى تطوير آليات الحوار والتنسيق المشترك، وإشراك المحامين في الإصلاحات بما يعزز دورهم كركيزة داخل العدالة الجنائية والمدنية.
عبد اللطيف وهبي: الإصلاح بالشراكة وليس بالإملاء
أما وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، فقد عبّر عن انفتاح وزارته على الجسم المهني للمحامين، مبرزاً أن مسودات القوانين الأخيرة لم تكن نهائية، بل جاءت كمداخل للنقاش، وأن الحوار مع جمعية هيئات المحامين ومجالسها المهنية سيظل أساساً في صياغة النصوص التشريعية المرتقبة.
وأكد وهبي أن “إصلاح العدالة لا يمكن أن يتحقق دون إشراك فعلي لممثلي الدفاع”، وأن وزارته ملتزمة بعدم المضي في أي خطوة تنظيمية تخص المحاماة دون استحضار موقف الجمعية كمؤسسة دستورية ومهنية.
كما أشاد بالمسؤولية التي تحلى بها ممثلو الهيئات في التعاطي مع ورش الإصلاح.
الحسين الزياني: المحاماة قضية مجتمعية لا خلاف تقني
في ختام الجلسة الافتتاحية، ألقى الأستاذ الحسين الزياني، رئيس جمعية هيئات المحامين بالمغرب، كلمة مطولة جامعة وصف فيها المؤتمر بـ”اللحظة الفارقة في تاريخ المهنة”، مؤكداً أن “العدالة التي تُقيد فيها حرية الدفاع هي عدالة ناقصة، وأن المحاماة التي تُجرد من استقلالها تفقد روحها”.
وأضاف الزياني أن مهنة المحاماة تواجه تحديات عميقة لا يمكن اختزالها في صراعات تقنية، بل هي مرتبطة بجوهر المشروع الديمقراطي ومكانة الحقوق والحريات في البلاد.
وشدد على أن الجمعية ستستمر في الدفاع عن الاستقلال المهني والكرامة، معتبراً أن “الرهان الحقيقي هو بناء نموذج مهني جديد متجذر في قيم الحرية والمسؤولية”.
وفي سياق وطني، ذكّر الزياني بالتزام جمعية هيئات المحامين التاريخي بالدفاع عن قضية الصحراء المغربية، من خلال إحداث لجنة دبلوماسية موازية تعمل على الترافع الحقوقي الدولي ونشر الوعي بعدالة القضية، مبرزاً أن المحاماة ليست فقط مهنة، بل سلطة معنوية تدافع عن السيادة الوطنية والهوية الحقوقية للمغرب
آفاق المؤتمر: إصلاح المهنة وتعزيز الشراكة المؤسساتية
يتواصل المؤتمر الوطني العام 32 لجمعية هيئات المحامين بالمغرب على مدى ثلاثة أيام (15-16-17 ماي 2025)، ويتضمن برنامجه عدداً من الورشات والندوات التي ستتناول قضايا محورية، منها: مشروع قانون المهنة، تكوين المحامين الجدد، الرقمنة، العلاقة بين المحامين والسلطة القضائية، والتحديات الاجتماعية والمهنية التي تواجه المحاميات والمحامين في المغرب.
ومن المرتقب أن يُتوج المؤتمر ببيان ختامي يتضمن خلاصات وتوصيات استراتيجية، تروم إعادة التموقع المهني للمحاماة كشريك أساسي في منظومة العدالة، وتعزيز موقعها داخل المشروع المؤسساتي والديمقراطي الوطني.



