Hot eventsأخبارعين العقل

بين الشوفينية والشوفان…والطب النفسي

بقلم الاستاذ: مولاي الحسن بنسيدي علي

في زمن تداخلت فيه المفاهيم، وامتزجت الغطرسة بالتغذية، والشعارات الجوفاء بالبروتينات النباتية، ظهر علينا كائنٌ جديد… لا هو وطني ولا هو إنساني، يصرخ صراخًا يشبه الوطنية ويزمجر زمجرة تشبه الغيرة على الوطن، بينما هو في الحقيقة مصاب بحالة متقدمة من “الشوفينية العكسية” أو ما يمكن أن نطلق عليه بلغة التغذية السياسية: “التخمة الوطنية الزائفة.”

الشوفيني – لمن لا يعرف – كان في الأصل اسم رجل يُدعى “نيكولا شوفان”، جنديٌّ فرنسي أحب نابليون حتى ذاب فيه كقطعة زبدة فوق مقلاة ساخنة من حماسة. كان شوفان مخلصًا، ضحى بنفسه من أجل وطنه، أو على الأقل من أجل ظل وطنه المتجسد في صورة الإمبراطور. لكن المصيبة ليست في شوفان التاريخي، بل في أحفاده – أو بالأحرى، مزوّري نسبه – الذين صاروا لا يرون في الوطن إلا “جيفةً دسمةً” يستحقون وحدهم التهامها.

إنهم يتحدثون عن الوطنية كما يتحدث الطباخ عن الكُسكُسِي في أول يوم جمعة، بحماس جارف، وشهية مفتوحة، دون أن يكون في قلوبهم شيء من الحب، أو في أذهانهم ذرة من الصدق. يرفعون الشعارات كمن يرفع الملاعق إلى أفواههم، ويستعرضون “أناهم” المتورمة كما تستعرض القطط شواربها أمام المرآة.

ولو وقف أحدنا متأملاً سلوكهم، لحار في تفسيره: هل هي نرجسية سياسية؟ أم تضخم في “الأنانية العليا”؟ أم مجرد سوء هضم ثقافي في حضرة الولاء؟
لكن – وهنا المفاجأة – قد لا يكون الحل في جلسات التحليل النفسي، ولا في محاضرات القيم الوطنية، بل في شيء بسيط، متواضع، مغذٍّ، ومتوفر في كل بيت… الشوفان!

نعم، لا تستغرب عزيزي القارئ، الشوفان!
هذا النبات العجيب، الذي عرفه أجدادنا فقط كعلفٍ للحيوانات، صار اليوم يُنصح به لمعالجة الكثير من أمراض العصر: الكوليسترول، السكري، والسمنة… فهل يعقل أن يكون أيضًا علاجًا لـ”التعالي السياسي” و”الأنانية المؤسسية” و”انفصام الذات الوطنية”؟

لنمنحهم كميات مركزة من الشوفان في الفطور والغداء والعشاء…
فلعل أليافه الطبيعية تُذيب شيئًا من عنادهم، ولعل مفعوله في تليين المعدة يمتد ليشمل تليين الضمير. وربما، فقط ربما، تُساعد مركباته المعقدة على تخفيض نسبة التكبر، وتنظيم نسبة الاحترام تجاه الآخرين.

أيها الشوفانيون الجدد، كفوا عن ادعاءكم المحبة للوطن، وعن تسويق أنفسكم كأوصياء على الجماهير. جربوا الشوفان بدلًا من الوعظ. فربما كان الشفاء في طبق فطور لا في شعار أجوف.

وفي النهاية، نقول:
“الشوفينية” قد تقتل الأمل، لكن “الشوفان” قد يحيي الضمير.
جربوه… فلن تخسروا أكثر مما خسرنا منكم!

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button