الصحراء: 116 دولة تدعم الحكم الذاتي ومجلس الأمن يطوي نهائيا خيار الاستفتاء

أكد السفير عمر هلال، الممثل الدائم للمملكة المغربية لدى الأمم المتحدة أن قضية الصحراء المغربية تعرف تحولا استراتيجيا عميقا على مستوى المواقف الدولية،في ظل تزايد الدعم لمبادرة الحكم الذاتي التي تقترحها الرباط وتراجع خيار “الاستفتاء” الذي ظل لعقود جزءا من المقاربة الأممية لحل النزاع.
وخلال كلمته في المؤتمر الإقليمي للجنة الـ24 لمنطقة المحيط الهادئ المنعقد في ديلي بجمهورية تيمور الشرقية من 21 إلى 23 ماي الجاري أوضح هلال أن أزيد من 116 دولة عبرت عن دعمها الصريح لمبادرة الحكم الذاتي التي تقدمت بها المملكة سنة 2007 كحل سياسي نهائي، جدي وواقعي يراعي خصوصيات المنطقة ويحترم سيادة المغرب ووحدته الترابية.
وأضاف السفير أن هذا الدعم الدولي يجد ترجمته الميدانية من خلال افتتاح حوالي 30 دولة لقنصليات عامة في مدينتي العيون والداخلة كاعتراف عملي بمغربية الصحراء وتأكيد واضح على المكانة التي أصبحت تحظى بها الأقاليم الجنوبية في الخارطة الدبلوماسية الدولية.
الجزائر دور محوري في تعطيل الحل
انتقد عمر هلال بشدة ما وصفه بـ”الدور المعرقل” للجزائر،متهما إياها بمواصلة سياسة العرقلة والمماطلة من خلال دعمها السياسي والعسكري والدبلوماسي لجبهة “البوليساريو” وأشار إلى أن الجزائر رغم إعلانها المتكرر أنها ليست طرفا في النزاع،إلا أنها تلعب دورا مركزيا فيه،عبر احتضانها للقيادة الانفصالية وتمويل أنشطتها.

وقال هلال إن المملكة المغربية تظل ملتزمة بخيار الحل السياسي التوافقي وتنهج سياسة اليد الممدودة لكن “هذا الالتزام لا يمكن أن يكون أحادي الجانب أو أبديا” داعيا الجزائر إلى إبداء إرادة سياسية حقيقية للانخراط في مسلسل التسوية،وهو موقف سبق أن أكده المبعوث الأممي السابق بيتر فان والسوم حين أشار سنة 2008 إلى مسؤولية الجزائر في تحريك العملية السياسية.
من الاستفتاء إلى الواقعية السياسية: تحول أممي في التعاطي مع النزاع
وأوضح السفير المغربي أن مجلس الأمن الأممي استبعد منذ سنوات خيار “الاستفتاء حول تقرير المصير” بشكل نهائي،بسبب استحالة تطبيقه تقنيا وقانونيا وسياسيا وهو ما أكده الأمين العام السابق للأمم المتحدة في تقريره الصادر في 17 فبراير 2000،الذي أقر بعدم قابلية خطة التسوية الأممية للتطبيق.
ومنذ ذلك الحين، تبنى مجلس الأمن مقاربة جديدة تقوم على البحث عن “حل سياسي واقعي ومقبول من الأطراف”وهو ما شكل أرضية ملائمة لطرح المبادرة المغربية كحل متوازن يحفظ استقرار المنطقة ويواكب التحولات الجيوسياسية الجارية في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل.
دعوات لمراجعة عمل لجنة الـ24: السياق تغير والمعالجة يجب أن تتغير
وفي ختام مداخلته،دعا هلال إلى إعادة تقييم طريقة تعاطي لجنة الـ24 مع ملف الصحراء المغربية،مؤكدا أن السياق الدولي تغير وأن استمرار اللجنة في اعتماد مقاربات تقليدية لا ينسجم مع التطورات على الأرض ولا مع مواقف الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.
وشدد على أن الوقت قد حان لتجاوز القراءة الجامدة لهذا الملف،واعتماد رؤية أكثر واقعية تنطلق من معطيات التاريخ والقانون الدولي وتراعي تطلعات ساكنة الأقاليم الجنوبية الذين يشاركون اليوم في المؤسسات التمثيلية المغربية وينتخبون ممثليهم في البرلمان والمجالس الجهوية.
مشاركة وازنة لمنتخبي الصحراء: صوت الساكنة حاضر في المؤتمرات الدولية
رافق السفير هلال في أشغال المؤتمر وفد مغربي رسمي،ضم مسؤولين من وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج إلى جانب نائب رئيس المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوي وكذا منتخبين اثنين يمثلان جهتي العيون-الساقية الحمراء والداخلة-وادي الذهب.
وتأتي هذه المشاركة لتعزيز حضور صوت سكان الصحراء المغربية في النقاشات الدولية المتعلقة بالقضية وتأكيد انخراطهم الفعلي في تدبير الشأن العام، ضمن النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية.
تأثيرات إقليمية ودولية: الاتحاد الإفريقي وأوروبا أمام واقع جديد
يشكل التحول في التعاطي الدولي مع قضية الصحراء المغربية،خصوصا دعم 116 دولة لمبادرة الحكم الذاتي ضغطا متزايدا على الاتحاد الإفريقي الذي لا يزال يحتفظ بجبهة “البوليساريو” كعضو كامل العضوية رغم أنها لا تتوفر على مقومات دولة لا جغرافيا ولا مؤسساتيا. ويطرح هذا الوضع تحديا أمام الاتحاد،خاصة في ظل تصاعد الدعوات داخل أجهزته لإعادة النظر في هذه العضوية،التي وصفت من قبل دبلوماسيين أفارقة بأنها “موروث من حقبة الحرب الباردة”يتنافى مع منطق الحلول الواقعية التي بات يتبناها المجتمع الدولي.
أما على الصعيد الأوروبي،فقد بدأ موقف العديد من الدول يتجه بشكل متزايد نحو دعم صريح للمقترح المغربي،من خلال اتفاقيات اقتصادية وتجارية تشمل الأقاليم الجنوبية وافتتاح قنصليات في مدن العيون والداخلة.وتبرز فرنسا وإسبانيا وهما القوتان الأوروبيتان الأقرب إلى المنطقة كمثالين على هذا التحول رغم بعض التذبذبات السياسية الداخلية.ففي حين تواصل فرنسا دعمها التقليدي للمغرب في مجلس الأمن،فإن إسبانيا منذ مارس 2022 أعلنت بوضوح دعمها لمقترح الحكم الذاتي كـ”أساس جدي وواقعي” للحل.
هذا التوجه الجديد يعكس قناعة متنامية لدى العواصم الأوروبية بأن استقرار شمال إفريقيا والحد من موجات الهجرة والإرهاب مرتبط بشكل وثيق بتسوية نهائية لقضية الصحراء،بما يضمن وحدة المغرب الترابية ويقطع الطريق أمام الحركات الانفصالية التي تستغل الأوضاع الإقليمية المتوترة
نحو أفق جديد لحل النزاع: مقاربة واقعية تعيد رسم ملامح الملف
في ضوء التحولات الدبلوماسية المتسارعة،يبدو أن قضية الصحراء المغربية تدخل مرحلة جديدة تتجاوز منطق الجمود الذي طبعها لعقود. فالتراجع الملموس لخطاب “الاستفتاء” وتنامي الدعم الدولي لمبادرة الحكم الذاتي،يفتحان المجال أمام حل واقعي ومتوازن يحظى بقبول متزايد من المنتظم الدولي ويأخذ بعين الاعتبار الحقائق السياسية والتاريخية والميدانية.
ويرى العديد من المراقبين أن الدينامية الجديدة التي تقودها الدبلوماسية المغربية والتي تمزج بين الحزم في الدفاع عن السيادة والانفتاح على الشراكات،قد تعزز فرص الوصول إلى تسوية نهائية شريطة توفر إرادة سياسية حقيقية لدى الأطراف الأخرى خاصة الجزائر التي تظل الفاعل الإقليمي الأبرز في هذا النزاع.
كما أن الحضور المتزايد لمنتخبي الأقاليم الجنوبية في المحافل الدولية والاعتراف المتنامي بمبادرة الحكم الذاتي يدفعان في اتجاه تجاوز الطروحات الانفصالية نحو نموذج يكرس الحكم المحلي في إطار السيادة الوطنية.
ومع استمرار هذا الزخم، فإن المرحلة المقبلة قد تشهد إعادة هيكلة آليات المعالجة الأممية للملف وربما الدفع نحو مفاوضات حقيقية تنطلق من أرضية المقترح المغربي،باعتباره الإطار الوحيد المطروح اليوم القابل للتنفيذ والضامن للاستقرار الإقليمي.



