المغرب يقود صناعة السيارات في إفريقيا محققًا نقلة استراتيجية نحو المستقبل

الرباط – في إنجاز صناعي لافت يعزز مكانته كقوة اقتصادية صاعدة، تصدر المغرب قائمة الدول الإفريقية في إنتاج السيارات خلال عام 2024، متفوقًا بذلك على منافسته التقليدية جنوب إفريقيا ومسجلًا أرقامًا قياسية جديدة على مستوى القارة.
ووفقًا لتقرير حديث صادر عن الرابطة الإفريقية لمصنعي السيارات، بلغ إجمالي إنتاج القارة السمراء 1.18 مليون مركبة، استحوذ المغرب منها على حصة الأسد بإنتاج 559,645 وحدة، من بينها 524,467 سيارة ركاب. هذا الرقم يمثل حوالي 60% من إجمالي إنتاج سيارات الركاب في إفريقيا، مما يؤكد الموقع الريادي للمملكة كفاعل صناعي رئيسي في القارة.
بنية صناعية متكاملة واستثمارات عالمية محرك للتفوق
يعزى هذا التفوق إلى امتلاك المغرب لمنظومة صناعية متكاملة، مدعومة ببنية تحتية حديثة ومناطق صناعية متخصصة مثل “طنجة أوتوموتيف سيتي”. كما يساهم معدل الإدماج المحلي المرتفع، الذي يفوق 65% في بعض المصانع، في جعل صناعة السيارات أحد الأعمدة الأساسية للاقتصاد الوطني.
وتعتبر شركتا “رينو” و”ستيلانتيس” من أبرز المستثمرين في هذا القطاع الحيوي. فقد أنتجت مصانع رينو في طنجة والدار البيضاء أكثر من 413,000 وحدة خلال عام 2024، بينما بلغت إنتاجية مصنع ستيلانتيس بالقنيطرة 111,000 سيارة، وهو رقم مرشح للزيادة في ظل خطط التوسعة الجارية.
طموحات متزايدة وآفاق مستقبلية واعدة
لا تقف طموحات المملكة عند هذا الإنجاز، إذ أعلنت “رينو” عن نيتها رفع طاقتها الإنتاجية إلى نصف مليون سيارة سنويًا، مع هدف طموح لبلوغ معدل إدماج محلي يقارب 80% بحلول عام 2030. هذه الخطوات من شأنها تعزيز جاذبية المغرب كمحور استراتيجي لصناعة السيارات في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط وجنوب أوروبا.
ويعزز من هذه المكانة التنافسية توفر اليد العاملة المؤهلة، والسياسات التحفيزية الضريبية والجمركية، بالإضافة إلى اتفاقيات التبادل الحر الموقعة مع أسواق كبرى مثل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وهو ما يمنح المغرب موقعًا فريدًا بين دول القارة.
تراجع جنوب إفريقيا ودروس المقارنة
في المقابل، تواصل جنوب إفريقيا، التي تحتضن 12 مصنعًا وتعتبر الدولة الإفريقية الأعرق في هذا القطاع، تراجعها مسجلة انخفاضًا بنسبة 5.2% في إنتاج السيارات مقارنة بعام 2023. ويعزى هذا الانخفاض إلى تحديات مستمرة في البنية التحتية وأزمات في قطاع الطاقة تؤثر سلبًا على وتيرة الإنتاج.
الرهان الاستراتيجي على السيارات الكهربائية
استعدادًا للتحول العالمي نحو التنقل المستدام، بدأ المغرب باستثمارات مهمة في قطاع السيارات الكهربائية. ويتم حاليًا تصنيع نماذج مثل Citroën Ami وOpel Rocks-e في مصانعه، مما يضعه في موقع متقدم في سباق الصناعة المستقبلية الصديقة للبيئة.
ويدعم هذا التوجه الاستراتيجي إطلاق مشاريع لإنتاج البطاريات ومحطات الشحن الكهربائي، إلى جانب تحفيز الشركات الناشئة العاملة في مجال الابتكار الصناعي الأخضر.
إن ما يحققه المغرب اليوم في قطاع صناعة السيارات ليس مجرد إنجاز رقمي، بل يعكس رؤية صناعية متكاملة ترسخ لنموذج اقتصادي يعتمد على التكنولوجيا، والتنافسية، والتوجه البيئي، مما يمنح المملكة موقعًا رياديًا مستدامًا على خريطة الصناعات العالمية.



