“القلالشة”.. حين تنتحر البلاغة تحت الأضواء

بقلم الاستاذ: مولاي الحسن بنسيدي علي
وقف “سي حمّو” أمام الميكروفون كمن يتهيّأ لإعلان الحرب، لا على عدوّ خارجي، بل على لسانه حيث خانته الكلمات مرارًا وتكرارًا. كان يعتصر الحروف من جوفه كمن ينزع ضرسًا بلا تخدير. وكلما حاول أن يرتجل، بدت كلماته كأنها تقفز من فمه مكسّرة، متعثّرة، كعجوز يحاول الرقص في حفل زفاف شعبي.
ثم فجأة، وكأن الله ألهمه، أخرج من جيبه ورقة مطوية بعناية كأنها وثيقة استقلال، وشرع يقرأ… بل يتأتئ.. لم تنقذه الورقة بل ورّطته أكثر، إذ بدا كطفل في أول يوم له بالرياض يتهجّى الحروف وسط دهشة المعلمات.
ومع ذلك، صفق له الجمع! وربّت أحدهم على كتفه قائلاً بلهجة المنتصر:
– “يا سلام! كنت رائعًا يا شاعرنا الجهبذ!”
فردّ “سي حمّو” وقد انتفخ صدره كما ينتفخ الباذنجان في الزيت:
– “تلميذكم يا أستاذ، منكم تعلّمت اللغة والنحو والتعثر الجميل!”
تعانق القلالشة تحت نظرات الحاضرين، دون أن يعرف أحد من الحضور هل كان العناق احتفالًا أم عزاءً في حال اللغة.
وفي الزاوية، همس أحد الظرفاء قائلاً:
– “لو استمر على هذا الأداء، نرشّحه لمهرجان التلعثم الدولي!”
وضجت القاعة بالضحك… أو التصفيق، لا فرق في حضرة القلالشة.
وهكذا خرج “سي حمّو” من القاعة مزهوًا، يعتقد أنه أشعل المنابر… فيما كانت اللغة تمسح دموعها في الكواليس.



