بين إنسانية العيد وسلطة القانون: حين تُذبح القيم قبل الأضاحي

بقلم – مصطفى بوريابة
في صباح يومه الاحد 25ماي 2025، وعلى وقع صرير عجلات دراجته الهوائية، ظهر بائع السمك كعادته اليومية، يحمل صندوقه البسيط المملوء بثمار البحر الطرية، يطوف الأزقة باحثًا عن لقمة كريمة يسد بها رمق أطفاله. لعلّ ما يميّز هذا المشهد اليومي ليس السمك ولا الدراجة، بل ملامح التعب المشوبة بأمل خافت، وشعور عميق بالخذلان الاجتماعي.
ناديت عليه من نافذة منزلي، فتوقف على الفور، وكأنّه وجد أخيرًا من يمد له يد الاهتمام في مدينة تتناسى صغارها. ما إن فتحت له الباب حتى انفرجت أساريره، ليس لأنه باع شيئًا، بل لأنه وجد من يسمعه. حدثني عن الليلة الماضية، عن أطفاله الذين لم يغمض لهم جفن بسبب صوت تكسير عظام خروف ذُبح خفيةً في ردهة أحد الجيران، في ظلام دامس بعيدًا عن أعين السلطة، لكن ليس بعيدًا عن أعين الأطفال وقلوبهم.
ذلك الجار لم يعبأ بقرارات الدولة، ولا بشحّ الثروة الحيوانية، ولا بغيره من المواطنين الذين يقفون عاجزين أمام أسعار الأضاحي، وكل همه كان ملء كرشه بلحم الخروف وكبده. مشهد بات يتكرر في عدد من الأحياء الشعبية، حيث يتم التسلل إلى أسواق الماشية في الخفاء، واقتناء الأضاحي رغم القرار الملكي الصريح الذي نصّ على التكفل بذبح الأضحية عن الشعب، في بادرة سامية من جلالة الملك محمد السادس حفظه الله، تعكس إنسانيته وحرصه على حماية الثروة الحيوانية التي تراجعت بشكل مخيف بسبب الجفاف والغلاء.
إن إنكار هذه المبادرة الملكية والتجاوز الصارخ لقراراتها لا يمكن اعتباره تصرفًا فرديًا بريئًا، بل هو خرق صريح للقانون واستخفاف بروح المواطنة الجماعية.
فالملك، بصفته حامي الحمى وضامن الحقوق، لم يصدر هذا القرار اعتباطًا، بل بناء على دراسات ومعطيات دقيقة، حفاظًا على الأمن الغذائي الوطني، واستجابة للواقع الاجتماعي والمعيشي الصعب الذي يرزح تحته ملايين المغاربة.
وبالتالي، فإنّ مخالفة هذا القرار تُعد مساسًا بهيبة الدولة، واستهتارًا بروح القانون، وهو ما يستوجب تدخلاً صارمًا من قبل السلطات، لا بالتحذير فقط، بل بالمحاسبة الفعلية لكل من خرق النظام، فدولة القانون لا تستقيم بتعاطف انتقائي ولا بعين مغمضة أمام خروقات صارخة.
من جهة أخرى، فإن المشهد يكشف بشكل مؤلم عن فوارق اجتماعية صارخة، بين من يتستر لذبح خروف وبين من لا يملك حتى ثمن نصف كيلو سمك لأطفاله. إنها مفارقة تضع المجتمع أمام امتحان أخلاقي قبل أن يكون قانونيًا، فهل ما زال فينا حس بالتكافل؟ هل ما زال للعيد معناه الإنساني إذا تحوّل إلى سباق نحو اللحم بدل أن يكون لحظة للرحمة والصدقة؟
لا بد أن ندرك أن الشعائر الدينية لا تكتمل بذبح الأضحية فقط، بل بروحها ومعناها وقيمها، وأن الانصياع للقانون ليس ضد الدين بل في صلبه، وأنّ حماية الوطن ليست مسؤولية الملك وحده، بل مسؤولية كل مواطن.
فإما أن نكون في دولة تسود فيها العدالة والحق، أو نعود إلى قانون الغاب، حيث لا مكان للضعفاء ولا للضمير.



