88 غرزة في وجه العدالة: حين يُدان الضحية وتُكافأ الجريمة

بقلم: مصطفى بوريابة
في المغرب العميق، حيث تسكن المعاناة في تفاصيل الحياة اليومية، تقف خديجة، امرأة من جماعة دار الكداري بإقليم سيدي قاسم، كشاهد حي على مأساة تتجاوز حدود العنف، لتصبح علامة استفهام كبيرة تُطرح أمام مؤسسة العدالة ذاتها.
خديجة، امرأة مطلقة، فقيرة، وأم لعدد من الأطفال، لا تملك من أسلحة الحياة سوى كرامتها. تلك الكرامة التي دفعتها لرفض تحرش سكير من علية القوم بها. رفَضت، صرخت، قاومت… فكان الرد عنيفاً ووحشياً. كسر المعتدي زجاجة خمر وغرزها في وجهها، تاركاً خلفه 88 غرزة تشهد على وحشيته، و35 يوماً من العجز الجسدي الموثق بشهادة طبية رسمية.
لكن الجرح الأعمق لم يكن في وجه خديجة، بل في جسد العدالة المغربية.
فبينما كان من المفترض أن تكون العدالة ملاذ المظلومين، ظلت صماء عمياء أمام ما حدث. الجاني ظل حراً طليقاً لأيام، وكأن دم خديجة لا يُحسب، وكأن فقرها يُسقط عنها صفة المواطنة.
لم يتحرك الملف إلا حينما تداولت مواقع إلكترونية الحادثة، فاستيقظت العدالة من سباتها، لا استجابة لصرخة الضحية، بل تحت ضغط الإعلام والرأي العام.
ورغم هول الفعل، جاءت المفاجأة من داخل قاعة المحكمة الابتدائية بمشرع بلقصيري، حيث حكم القاضي على الجاني بشهرين فقط، وكأن ما جرى لا يعدو أن يكون مشادة كلامية عابرة، لا محاولة قتل ولا اعتداء مشين ولا تشويه دائم.
أين العدل؟
إن الحكم المخفف في حق المعتدي لا يطرح فقط تساؤلات حول تأويل النص القانوني، بل يفتح نقاشاً واسعاً حول مدى استقلالية القضاء، ومدى تأثير النفوذ والمال على مسار المحاكمة في قضايا العنف ضد النساء، خصوصاً في المناطق الهامشية.
القضية لم تعد قضية خديجة وحدها، بل أصبحت مرآة تعكس واقعاً مؤلماً: أن العدالة في المغرب أحياناً لا تُقاس بالقانون، بل بميزان المصالح والنفوذ.
صرخة مجتمع
في خضم الغضب الشعبي والتضامن الواسع، تُطرح أسئلة جوهرية:
– كيف يمكن لمواطن أن يشعر بالأمان إذا كانت كلمة “لا” قد تُكلفه حياته؟
– كيف نحمي النساء إذا كان المعتدون يُكافأون بأحكام هزيلة؟ ومتى يتحول القضاء من سلطة “انتقائية” إلى مؤسسة حقيقية للإنصاف ورد الاعتبار؟
إن خديجة اليوم لا تطالب فقط بإنصافها، بل تطالب بإنصاف وطن بأكمله، يُفترض أن يكون فيه القانون هو السيد الأعلى، لا الجاه ولا المال.
ويبقى السؤال معلقا: هل ستكون خديجة بدايةً لتصحيح المسار، أم مجرد رقم آخر في أرشيف مظالم لا يُفتح إلا عند الحاجة؟



