قانون التعبئة العامة في الجزائر: العدو قادم… احذر أيها المواطن!

في مشهدٍ يبدو وكأنه مقتبس من رواية ديستوبية، صادقت الحكومة الجزائرية على مشروع قانون “التعبئة العامة”، وأحالته على البرلمان، في خطوة يرى فيها معارضون محاولة لإعادة صياغة المشهد السياسي على مقاس السلطة العسكرية، واستكمالًا لمسلسل قديم عنوانه: “العدو قادم… احذر أيها المواطن!”
القانون الجديد، الذي يمنح رئاسة الجمهورية صلاحية إعلان التعبئة العامة في حال وجود “خطر داهم يوشك أن يصيب مؤسسات الدولة أو استقلالها أو وحدة أراضيها”، لا يبدو، في نظر المنتقدين، محاولة لحماية الوطن بقدر ما هو محاولة لتأطير الحياة السياسية والمدنية بخوذة عسكرية.
علي بن حاج، نائب رئيس الجبهة الإسلامية للإنقاذ، خرج عن صمته عبر قناة “المغاربية”، مؤكدًا أن هذا القانون يشوه صورة الجزائر، وأن تمرير قوانين على هذا النحو عبر غرفتي البرلمان، اللتين وصفهما بشكل غير مباشر بـ”الديكور السياسي”، لا يزيد إلا في اتساع هوة الثقة بين المواطن والدولة. وأضاف: “ترويج خطاب الحرب في الإعلام الرسمي يزيد مناخ الخوف، ويقلق الجيران، وينفّر المستثمرين”. وكأن الجزائر أصبحت شركة مساهمة في بثّ الرعب بدل التنمية.
وإذا كان بثّ تمرين عسكري من ولاية بشار ضمن نشرة الأخبار الرسمية قد استغرق أكثر من عشرين دقيقة، فإن المواطن الجزائري لا يملك الآن سوى أن يتساءل: هل نحن فعلاً في حالة حرب؟ أم أن الدولة تدرّب مواطنيها على الخوف كتمرين وطني جديد؟
شوقي بن زهرة، ناشط سياسي معارض، أشار إلى أن هذا القانون كان ينبغي مناقشته منذ تعديل دستور 2019، لكن يبدو أن “الذاكرة التشريعية” للنظام تعمل وفق جدول زمني خاص… جدول تحدده المزاجية السياسية أكثر من الحاجة القانونية.
وبحسب بن زهرة، فإن القانون يأتي في سياق تصعيدي، يحاول النظام من خلاله تكريس سردية “العدو الخارجي” لتبرير الأزمات الداخلية والعداوات المجانية مع دول الجوار. كل ذلك في محاولة لصناعة إجماع وهمي حول سياسات داخلية وخارجية مأزومة، بل ومحاصرة كل رأي مخالف بتهمة “تهديد الأمن القومي”.
وقد يبدو القانون في ظاهره وسيلة لحماية الوطن، لكن في عمقه – كما يرى المعارضون – هو بمثابة تعبئة عامة ضد المواطن نفسه. فكل من يفكر، أو يتحدث، أو ينتقد، قد يُصنّف ضمن خانة “الخطر الداهم”. وهكذا، تدخل الجزائر رسميًا زمنًا جديدًا: حيث تصبح حرية التعبير “تهديدًا”، والنقد “عدوانًا”، والاختلاف “تعبئة عسكرية”.
في جزائر اليوم، لم يعد المواطن مطالبًا بالانخراط في الحياة السياسية، بل فقط بالانضباط تحت بند الطوارئ، وتحت شعار: “كلنا جنود… حتى الذين كانوا ينتظرون فقط دورهم في طابور الخبز”.



