Hot eventsأخبارأخبار سريعةثقافة و فن

وفي العتمة صار المؤقت أبديا …‏

وفي العتمة صار المؤقت أبديا …‏

خَفَتَتْ أضواء الشارع،
اجتاحت الطحالب أروقة المدينة،
وقناديل البحر الأفق،
والجرذانُ الساحاتِ العمومية،
والقرودُ المعابدَ،
والضفادعُ غرفَ النوم،
والخنازيرُ قاعاتِ المطالعة في مكتبات الجامعة،
والعناكبُ غرفَ العناية المركزة في المستشفيات،
والثعابينُ مقارَّ الأبناك،
والتماسيحُ المطاعمَ،
والعقاربُ أروقة الدواوين…

خرجتْ تبحث عن صغارها.
كان عليها أن تقرر: أن تخاف أو لا تخاف،
أن تمشي في الشعاب وتتسلق الجبال حافية القدمين،
أن تتألم من لسع الثلج أو تصبر على العطش،
أن تتحدى المتاريس أو تعود أدراجها،
أو تكتفي بالخبر الآتي من بئر الأتن،
وبالآثار على الرصيف،
أو بحكايات السحرة وهذيان ناهبي أنقاض الكارثة…

تسرّب أنينٌ من وراء دموع في عيونٍ لم تتيقن لمن هي،
ولم تفهم كيف تمطر السماء لزجًا بلا غيوم، ولا ضباب، ولا سحاب،
ولا كيف ثقُل جسدها دون أن تتذكر أنها تحمل ثقلًا…

وأدركت فجأة أن هناك أشياء كثيرة كانت تودّ أن تفعلها، أن تتذكرها، أن تفهمها،
وأخرى أن تنساها،
وأمكنةً تودّ أن تزورها،
وكلماتٍ أن تقولها،
ووعودًا أن تفي بها…
ولم يبقَ لها وقت لأيٍّ منها.

وزَفَرَتْ من أعلى الجبل وهي تتدحرج، يتبعها صدى بأصوات بلورية متداخلة لكنها واضحة:
“إنما المؤمنون إخوة”…
“وإذا استنصروكم في الدين فعليكم النصر”…
“المسلم أخو المسلم لا يسلمه ولا يخذله”…

ثم كاد صفير أن يخرق أذنيها، فصرخت: “أين أنا؟ أين الصغار؟”
وفتحت عينيها،
وهي تهمهم ما حسبته من آية الكرسي،
وكانت الأنوار قد انطفأت،
ولم يهب أحد،

وتحول المؤقَّت إلى أبدي …

عبداللطيف زكي
الرباط، في 30 ماي 2025

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button